الاخبار السري
بين دعوات منعه
وضروات تشجيعه
تعالت في الاونة الاخيرة اصوات تتبنى الدعوة الى اصدار
قانون يمنع تلقي الاخبارات السرية والاخبارات المغفلة ، استنادا لما تتركه من اثار
خطيرة ، حينما يتم القاء القبض على ( المخبر عنهم ) ، فيلقى بهم في المعتقلات ،
لمدة قد تطول لشهور او سنوات ، ثم يخلى سبيلهم لبراءتهم او لعدم كفاية الادلة ضدهم
، ولما يشكله ذلك من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان .
هناك حقيقية لا يمكن انكارها هي ان هناك الكثير من
الابرياء اوقع بهم المخبرون الذين كانوا لا يقصدون من اخباراتهم الكاذبة الا الايقاع
بالابرياء وزجهم بالسجون والمواقف لتصفية خصومات شخصية او طائفية او سياسية او
غيرها ، وهؤلاء المخبرون غالبا ما افلتوا بافعالهم ، وقد يهيأ لهم القانون وسائل
الافلات من تحمل تبعات اخباراتهم الكاذبة ، ولكن هل العيب في فتح باب الاخبارات ،
ام في سوء التعامل معها ؟
قطعا هناك فرق بين من تتشاجر مع زوجها فتذهب الى اقرب
مركز للشرطة فتدعي بانه سب ( صدام ) او بسق على صورته ، وبين نفس الزوجة تشهد ضد
زوجها الذي فجر سيارة مفخخة في سوق شعبي ، ولابد ان هناك فرق بين من يتهم – كاذبا
- موظفا ما بانه اختلس المال العام او اخذ رشوة من الشركة التي احال عليها العقد ،
لانه كان عاقبه او نقله الى مكان لا يريد العمل به ، او كان حازما معه ، او كلفه
بعمل لا يريد القيام به ، او لانه يريد تصفيته لخصومة شخصية او سياسية او طائفية ،
وبين مواطن يخبر عن موظف طلب رشوة منه لقاء انجاز معاملته .
لابد ان هناك فرق واضح بين مخبر يعد موقفه من انبل
المواقف ، وبين مخبر من نوع اخر يعد موقفه من اسوء واحط المواقف ، فلابد من تشجيع
المخبرين من الصنف الاول وايجاد الوسائل لحمايتهم احتراما للقيم السامية
والاعتبارات القانونية والشرعية التي يمثلونها ، ولا يمكن مساواتهم بالصنف الثاني
، الذي لابد من ايجاد الوسائل لمحاربته والنيل منه ، بمن يضمن تحقيق العدالة لكل
من يساء الى سمعتهم او تقيد حرياتهم بسبب الاخبارات التي يقدمها هؤلاء .
لكن هل معالجة المساؤئ الكبير للاخبارات الكاذبة يكون
بمنع الاخبار السري ؟ وهل ان مساوئ الاخبار السري في قبوله ام في امر اخر ؟
ان القانون حينما يجيز قبول جميع الاخبارات ولو لم يعلن
صاحبها عن نفسه ، فانه يقيم ذلك على قاعدة ان الاخبار هو معلومات قد تكون صحيحة او
كاذبة ، وعلى الجهات التحقيقية تلقيها على هذا الاساس ، ثم البحث في مدى صحتها
وكشف الحقيقية خلفها ، وهي انما اجيز تلقيها لانها توفر قدرا كبيرا من المعلومات
المهمة للاجهزة الاستخباراتية والتحقيقية ، وبدونها قد تعجز تلك الاجهزة عن القيام
بدورها ، على الاقل بشكل كفوء بما يكفي لمواجهة التحديات الامنية وتحديات الفساد وغيرها
من اشكال الجريمة السرية الخطيرة .
ان الخطأ التحقيقي الذي اثار كل مساوئ الاخبارات ، والذي
ظهرت بسببه دعوات منعها ، هو اسلوب التعامل مع الاخبارات ، اذ اخذت بعض الجهات
التحقيقية تتلقى الاخبارات ، وتلقي بالناس ( المخبر عنهم ) بالمعتقلات دون دليل
ولا قرينة ، بل اعتمادا على اقوال المخبر فقط ، دون تمحيص ولا دليل ولا تحقيق ،
فذلك اغبى ما يمكن ان يقوم به محقق ، وهو اسوء اشكال انتهاكات حقوق الانسان .
لذلك فان العيب ليس في تلقي الاخبارات بل في اسلوب
التعامل معها بعد تلقيها ، ومن الخطأ الفادح منع السلطات التحقيقية من تلقي
الاخبارات سواء اكانت مغفلة او سرية او غيرها ، لان ذلك سيخل بعمل الجهات
التحقيقية ويعطل قدرتها على التعامل بكفاءة مع اكثر الجرائم خطرا على المجتمع
كالارهاب والفساد وتجارة المخدرات والاسلحة وغيرها ، ولكن الحل في الزام الجهات
التحقيقية بعدم اتخاذ أي اجراءات ضد ( المخبر عنهم ) الا بعد التحقيق والتحري وجمع
الادلة وتبين الحقائق كاملة ، والامساك بادلة معتبرة ضدهم .
اما الاخذ بالرأي القائل بالغاء الاخبار السري او
الاخبار المغفل فانه اخلال بالتزامات العراق بموجب اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة
الفساد واتفاقية محاربة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، وسلب لسلاح مهم من اسلحة
محاربة الجريمة السرية التي يتفق المختصون على اهميتها البالغة .
القاضي
رحيم حسن العكيلي
27 / 6 / 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق