الخميس، 22 مارس 2018


قيم تحتضن الفساد
                                                    القاضي
                                                    رحيم حسن العكيلي

تترك الاعراف والقيم الاجتماعية اثر بالغ الاهمية في انتشار سلوك او ظاهرة ما في أي مجتمع انساني ، وتساهم تلك الاعراف والقيم مساهمة مؤثرة في منع انتشار سلوكيات او ظواهر معينة ، وذلك امر جيد فيما اذا كانت القاعدة  المذكورة تحث على السلوكيات والظواهر القويمة ، وتمنع من انتشار السلوكيات والظواهر السيئة ، وهذا هو ما يفترض ان ينتج عادة من ذلك  حينما يحتقر او يمتهن المجتمع مرتكبي الافعال  السيئة والمروجين للظواهر السلبية ، وحينما يقدر – بالمقابل - اصحاب السلوكيات القويمة .
ولكن الخطورة ان تنقلب نتائج القاعدة فتكون القيم و الاعراف الاجتماعية مشجعة على السلوكيات والظواهر السيئة ومانعة من انتشار السلوكيات والظواهر الجيدة ، وانما يقع ذلك حينما يقدر المجتمع اصحاب السلوكيات السلبية ويمتهن اصحاب السلوكيات القويمة ، وهذا في الحقيقة هو احد اهم اسباب انتشار بعض اسوء مظاهر الفساد في العراق كالرشوة واختلاس المال العام وخرق القانون وعدم احترامه .
 اذ ان بعض القيم المجتمعية العراقية تحتضن ظاهرة الرشوة رغم ان كل العراقيين يشتكون منها ، فالراشي - عندنا - في قمة الكرم  ( حاتم الطائي ) و ( خوارده ) وهو محل تقدير كبير في دوائرنا الرسمية ، وقد لا يأخذون تحية للقاضي حين دخوله الى  مركز الشرطة مثلا ، ولكن تؤخذ تحية للمحامي الذي يبالغ في اكرام افراد الشرطة في ذلك المركز ، واما من يمتنع عن دفع الرشوة فانه ( يابس ) و( بخيل ) ، و( اثقل ما يكون ) من مراجعي الدوائر الرسمية .
اما المرتشي فانه ( شاطر ) ، لانه يؤمن قوت عياله ، واذا بنى بيتا واشترى سيارة فانه ( سبع كون نفسه ) ، وهو انما كان يتقاضى هدايا وعطايا لا اشكال فيها ، اما من يمتنع من الموظفين من اخذ  الرشوة فانه ( معقد ، مسكين ، فقير، خطيه  ) يتأسى زملائه على غباءه وتعقيده وابتعاده عن السير الاعتيادي للامور والسلوكيات .
اما السرقة فان المثل الشعبي القديم يقول ( المايحوف مو زلمة ) وكانوا يطلقون على اللص لقب ( العجيد ) و ( اخو اخيته ) فأذا سرق او اختلس الاموال العامة فانه ( شاطر كون نفسه ) وقد سرق اموالا مجهولة المالك ، فلا بأس عليه .
اما اصحاب النفوذ والعلاقات فانهم ملجئنا في انجاز المعاملات وتعيينا في الدوائر ، بل اننا نفتخر بوجود من يؤثر من معارفنا واقاربنا ، وهؤلاء محل اعتبار كبير ليس لشئ الا لانهم قادرون على التأثير والتوسط والضغط ، ولا يتوانى احدنا في استخدام كل انواع التوسط والتأثير والضغط باستخدام المعارف واهل التأثير والنفوذ لامرار ما نريده ، وليذهب غيرنا الى الحجيم ، فأذا نجحت وساطتي فتعينت في الوظيفة الشاغرة فلا يهمني انني اعتديت على حق غيري في تكافؤ الفرص لتولي الوظيفة العامة ، ولكني اتذمر كثيرا من ( الوساطات و( استخدام النفوذ ) حينما لا اجد من يتوسط لي ويتمكن غيري من اخذ الوظيفة الشاغرة دوني .
يقول البعض ماذا نفعل فبلا وساطة وتأثير لا تسير الامور كما نريد ،  والحقيقية ان ذلك لا يعني اننا نريد المنافسة الشريفة في تولي المنصب او الوظيفة الشاغرة ، بل ان ما نريده هو ان نأخذ الوظيفة او نمرر معاملتنا على حساب الاخر ولو بغير حق ، او بالاعتداء على حقوق الاخرين وسلبهم حقهم في التنافس معنا او انجاز معاملاتهم في دورها الطبيعي . في حين اننا - لو كنا نؤمن بالنزاهة وتكافؤ الفرص – لما توسطنا لطلب الوظيفة ، بل لتوسطنا وطلبنا التأثير لالزام اصحاب القرار على اقرار التنافس الشريف بين المتقدمين ، لكننا لا نؤمن بذلك فيدفعنا ما فينا الى استخدام كل الوسائل المتوفرة لاخذ الوظيفة او المنصب ، بل يزعجنا ان تفشل وساطتنا بسبب الاخذ باليات التنافس الشريف.
ان كل ذلك غيض من فيض القيم المجتمعية العراقية التي تحتضن الفساد وتشجعه ، وكم نحن بحاجة الى تشخيصها وتركيز الاضواء عليها وفضح السوء وانعدام الغيرة والشرف فيها ، وصولا الى نبذ واحتقار من يمارسها لمنع تداولها ، لما لها من تأثير في منع تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة .
اننا بحاجة – فعلا - الى خلق مجتمع لا يتسامح مع الفساد ، يحتقر المتورطين به وينبذهم بنفس الطريقة التي يحتقر وينبذ بها المتعاملين بالدعارة  والمتاجرين بالشرف .
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق