شركات متنفذة
القاضي
رحيم حسن
العكيلي
يقف وراء الفشل في تقديم الخدمات ، وعدم ظهور اثار ملموسة للاموال الكبيرة
التي ترصد للمشاريع والاعمار في العراق في السنوات الماضية اسباب كثيرة ، منها
الوضع الامني والفساد وعدم نمو قدرات القطاع الخاص العراقي بما يكفي لتنفيذ مشاريع
كبرى ، وعزوف الشركات الكبرى والمستثمر الاجنبي عن الدخول الى العراق ، وضعف قدرات
القطاع العام في ادارة مشاريعه وتنفيذها بطريقة ملائمة ، وغيرها . الا ان الفساد
يظهر كأنه السبب والتحدي الاكبر وراء كل ذلك ، وقد اختفت خلفه كل الاسباب
والتحديات الاخرى ، حتى اضحى يبدو كأنه السبب الاوحد لدى الناس ، بسبب كثرة
التركيز عليه دون الاسباب والتحديات الاخرى .
الا انه ( اي الفساد ) يظل سبب مهم ومؤثر ، وله صور ومظاهر خطيرة ، لعل اهمها ، وقوف متنفذين (
سياسيين او غير سياسيين ) خلف الشركات التي تتنافس على العقود والمشاريع ، وهي في
هذا ثلاثة اصناف :-
الاول :- ان تكون الشركات عائدة لمتنفذين ومسجلة علنا بأسمائهم او اسماء
ازواجهم او اقاربهم ، او هم مدرائها المفوضون .
الثاني :- ان تكون تلك الشركات عائدة لهؤلاء المتنفذين في الحقيقية ، الا انها مسجلة باسماء اشخاص اخرين واجهيين ،
يعملون فيها لمصلحة المتنفذين ، وليس لهم سوى ادارتها لمصلحة اولئك المتنفذين .
الثالث :- ان لا تكون للمتنفذين ملكية في تلك الشركات ، لكنهم يدعمونها في
مقابل عمولات ورشاوى يتعاطونها منها .
وهذا رتب مظاهر خطيرة للفساد في المشاريع والعقود العامة ، اهمها ما يأتي
:-
1- ان تحال العقود او
المشاريع على تلك الشركات باضعاف قيمتها الحقيقية ، فاما ان يبالغ في تقدير كلفها
التخمينية ، او ان تحال بلا تقدير كلف تخمينية ، فقد يحال عقد تقدر كلفته
التخمينية بـ ( 137 ) مليار دينار ، بمبلغ ( 277 ) مليار دينار .
2- احالة العقود على تلك
الشركات بطرق لا تؤمن الحد المقبول من المنافسة ، اما بطريق الدعوة المباشر او
العطاء الواحد ، او بطرق ملتوية كثيرة ، تتحايل على القوانين وتخرقها ، منها طريق
اظهار القطاع العام في الواجهة وكأن العقود او المشاريع محالة بعهدة شركات القطاع
العام ، ولكنها في الحقيقية تحال من خلفها الى شركات خاصة مسنودة من احزاب او جهات
متنفذة معينة .
3- ان تستلم المشاريع على
اساس انها نفذت بطريقة سليمة ، رغم ان الشركات نفذتها بطريقة لا تتطابق مع معايير
الجودة ، او غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها . وتكون النتيجة فشل تلك المشاريع
او عدم تحقيقيها للغاية منها .
4- استلام سلف كبيرة او
مبالغ مقدمة ، لا تتلائم مع مقدار التنفيذ الفعلي ، وترك المشروع بلا تنفيذ ، ودون
اي تقدم على ارض الواقع ، في حين تستغل الشركة او المقاول السلف او المبالغ التي
استلمها من اموال الدولة ، في التجارة او في المصارف وغيرها.
5-
عدم اتخاذ اي اجراءات قانونية حقيقية ضد تلك الشركات او المقاولين المتلكئين
او المتأخرين في تنفيذ المشاريع ، والاكتفاء بتجديد المدد لها والاعفاء من
الغرامات التأخيرية ، دون مسوغات قانونية حقيقية .
وهذا قد يفسر العدد الكبير من الشركات العراقية التي سجلت لدى مسجل الشركات
بعد عام 2003 ، فقد بلغ عدد الشركات العراقية المسجلة عام 2003 ( 8374 ) شركة فقط
، في حين بلغت في 31 / 12 / 2010 ( 49239 ) شركة عراقية اي بزيادة فاقت خمسة اضعاف
عدد الشركات المسجلة لغاية نهاية عام 2003، وهذا ينطبق على مكاتب وفروع الشركات
الاجنبية التي كانت ( 194 ) مكتب وفرع في عام 2003 فقط ، الا انها اصبحت في نهاية
عام 2010 ( 807 ) مكتب وفرع شركة اجنبية .
ان القسم الاكبر من الفساد الكبير في العراق اليوم هو الابن الشرعي للجمع
بين صفات ( السياسي والتنفيذي والمقاول ) لدى ثلة من الطبقة السياسية في الحكومة
وخارج الحكومة وفي المحافظات و مجالس المحافظات ، وهو اخطر صور تعارض المصالح ، التي تقف القوانين والانظمة الادارية المعمول
بها حاليا عاجزة عن معالجته ، وايقاف هدره للمال العام ، واستنزاف موارد الدولة ،
وتعطيل خططها ومشاريعها .
القاضي
رحيم حسن العكيلي
رئيس هيئة النزاهة
29 / 4
/ 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق