الخميس، 22 مارس 2018

خطوات اقليم كوردستان لانصاف المرأة
في مجال القوانين العقابية
اجرى اقليم كردستان تعديلات في تطبيق القوانين العقابية الاتحادية بما يؤمن حماية جدية للمرأة ويفرض المزيد من المساواة لها مع الرجل امام القانون  ، فاستثناها من حق التأديب ، ومنع تطبيق اعتبار غسل العار باعثا شريفا للجرائم ضد المرأة ومنع ايقاف تنفيذ العقوبة في الجرائم ضد الزوجة ، وساوى بين الزوجين في تجريم زنا الزوجية والمعاقبة عليها ، وسوف نبحث ذلك في عدة مطالب وفق الاتي :-
المطلب الاول :- استثناء الزوجة من حق التأديب .
المطلب الثاني :- منع تطبيق الباعث الشريف في الجرائم المرتكبة ضد ( المرأة ) .
المطلب الثالث :- منع ايقاف تنفيذ العقوبة في الجرائم ضد ( الزوجة ) .
المطلب الرابع :- المساواة بين الرجل والمرأة في تجريم الزنا .


المطلب الاول
 استثناء الزوجة من حق التأديب
استثنى قانون المجلس الوطني الكردستاني رقم 7 لسنة 2001  الزوجة من احكام الفقرة ( 1 ) من المادة ( 41 ) من قانون العقوبات ( الاتحادي ) رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي تنص :- ( لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ، ويعتبر استعمالا للحق :- 1- تأديب الزوج زوجته وتأديب الاباء والمعلمين ومن فــــــــــــــــي حكمهم الادولاد القصر فـــــــــــــــــــــــي حدود مــــــــــا هو مقرر شرعا او قانونا او عرفا . 2- .... ) .
فقانون العقوبات العراقي ( الاتحادي ) يعتبر تأديب الزوج لزوجته احد اسباب الاباحة ، التي يصبح الفعل المجرم - مع توافرها - فعلا مباحا ، فلا جريمة اذا ضرب الزوج زوجته ، رغم ان ذلك يعد جريمة لو لا نص القانون على جعل تأديب الزوج زوجته سببا من اسباب الاباحة ، اما اذا ضربت الزوجة زوجها فذلك جريمة طبقا لاحكام قانون العقوبات لانها لا تملك حق تأديبه ، وتلك احدى صور عدم المساواة بين الرجل والمرأة امام القانون في قانون العقوبات العراقي ، وهو اهانة لكرامة المرأة ، وتخريج قانوني غير منصف للاعتداء على النساء في المجتمعات الذكورية ، وهو مدعاة للتمايز الطبقي فلا يستطيع الرجل المتزوج من امرأة من عائلة قوية نافذة ان يعتدي عليها بالضرب بحجة التأديب ، في حين قد يبالغ الرجل المتزوج  من امرأة من عائلة فقيرة في ممارسة الحق بتأديبها الى حدود تخرج عن المنطق وبلا وجه حق .
واخطر ما جاء به نص الفقرة ( 1 ) من المادة ( 41 ) من قانون العقوبات هو توسيعه اطار التأديب الى ( ما هو مقرر عرفا ) والعرف قد يجيز ضرب الزوجة واهانتها الى حدود لا يقبلها الشرع والدين الاسلامي ، الذي يذهب البعض الى انه المصدر التاريخي لحق التأديب بقوله تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فأن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) [1].
لذا اخرج اقليم كردستان تأديب الزوج زوجته من اسباب الاباحة بالقانون رقــــــــــــــم 7 لسنة 2001 ([2]) الذي نص :-
المادة الاولى :- تستثنى الزوجة  من احكام الفقرة ( 1 ) من المادة ( 41 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
المادة الثانية :- لا يعمل بأي نص يتعارض واحكام هذا القانون .
المادة الثالثة :- على مجلس الوزراء تنفيذ احكام هذا القانون .
المادة الرابعة :- ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في جريدة وقائع كوردستان .



المطلب الثاني
 منع تطبيق الباعث الشريف في الجرائم بحق المرأة
 نصت المادة ( 128 ) من قانون العقوبات على اعتبار ارتكاب الجريمة بباعث شريف عذرا قانونيا مخففا ، اذ نصت ( الاعذار اما معفيه من العقوبة او مخففة لها ... وفيما عدا هذه الاحوال يعتبر عذرا قانونيا مخففا ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة او بناء على استفزاز خطير من المجنى عليه بغير حق ) . وقد سار القضاء العراقي – بضمنه القضاء في اقليم كوردستان - منذ فترة طويلة على اعتبار القتل او الشروع فيه او الاعتداء باشكاله على من اتهم ( رجل او امرأة ) بالزنا او اللواط او انحراف السلوك غير الاخلاقي جريمة ببواعث شريفة ، اذا ما ارتكب الجريمة احد اقارب المجنى عليه او عليها كالاب او الاخ او الام او الابن او العم او ابن العم او الاخت او الجد او الزوج ، وذلك يؤدي الى تنزيل العقوبة بحق الجاني وفقا لاحكام المادتين 130 و131 من قانون العقوبات على اساس قيام العذر المخفف فيها ( ارتكاب الجريمة ببواعث شريفة ) ، التي قد تنزل بموجبها عقوبة القتل العمد مع ظرف مشدد الى الحبس سنة واحدة فقط .
وقد افلت بهذا النص الكثير من الجناة الذين ارتكبوا جرائم قتل النساء لاتهامهن بالزنا او انحراف السلوك بلا دليل قاطع ، وهو نص مخالف لاحكام الشريعة الاسلامية فلا تجيز الشريعة قتل من اتهم بالزنا او انحراف السلوك من قبل ذويهم ابدا ، بل اجازت للزوج الذي رأى زوجته تزني - اذا لم يحضر معه ثلاثة شهود عدول عدول لهم شهادة عيانية على الحادث - ان يلاعنها وفق قوله تعالى :- ( والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين . والخامسة ان لعنت الله عليه ان كان من الكاذبين . ويدرؤا عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين . والخامسة ان غصب الله عليها ان كانت من الصادقين . )([3]) . فأذا وقع ذلك التلاعن نجا هو من عقاب حد القذف([4]) ، ونجت هي من تهمة الزنا وعقوبتها . ووقع بينهما طلاق بائن مؤبد .
ويعد قتل النساء او الشروع في قتلهن او الاعتداء عليهن لاتهامهن بالزنا او سوء السلوك واحدة من اسوء انتهاكات حقوق المرأة في العراق ، والاجتهاد القضائي الذي عد تلك الجرائم من الجرائم المرتكبة بباعث شريف مخالف لاحكام الشريعة الاسلامية ولاحكام الاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ، وهو يشجع الى تبني قيم اقتضاء الافراد حقوقهم بايديهم ، والانفلات في فرض التقاليد والاعراف التي تنتهك القانون ، وتشجع على ترسيخ ثقافة العنف .
 لذا كان لابد من معالجته بنص صريح في القانون يمنع من اعتبار القتل او الشروع فيه او الاعتداء ، على من اتهم بالزنا او اللواط او سوء السلوك ، الواقع من الزوج او القريب ، جريمة بباعث شريف .
الا ان اقليم كردستان - العراق ذهب لابعد من ذلك بكثير بموجب القانون رقم ( 14 ) لسنة 2002 الذي نص :-
المادة الاولى :- لا يعتبر ارتكاب الجريمة بحق المرأة بذريعة بواعث شريفة عذرا قانونيا مخففا لاغراض تطبيق المواد ( 128 و130 و131 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
المادة الثانية :- لا يعمل باي نص يتعارض واحكام هذا القانون .
المادة الثالثة :- على مجلس الوزراء تنفيذ احكام هذا القانون . ينفذ هذا القانون اعتبارا من تاريخ نشره في جريدة وقائع كوردستان . )([5]) .
وهذا يعني منع تطبيق الظرف المخفف ( ارتكاب الجريمة بباعث شريف ) على كل الجرائم بحق المرأة ، وهو حكم غير مقبول لان الجرائم قد ترتكب بحق المرأة – كما ترتكب بحق الرجل – لبواعث شريفة ، كأن يقتل الاب بنته او زوجته المتعصبة دينيا التي تصر على تفجير نفسها لقتل اطفال المدارس ، بعد ان لبست حزامها الناسف ، او كأن يقتل الاخ امرأة كانت تحاول فض بكارة اخته بيدها ، لذا كان يتوجب ان لا يعمم منع تطبيق العذر المخفف ( الباعث الشريف ) على كل الجرائم بحق المرأة ، بل كان ينبغي حصر المنع من تطبيق العذر المخفف ( الباعث الشريف ) على جرائم القتل والشروع فيه والاعتداء على من اتهم بالزنا او اللواط او انحراف السلوك فقط بغض النظر عن كون المقتول او المعتدى عليه ذكرا كان ام انثى ، بما يعرف بالقتل غسلا للعار([6]).
المطلب الثالث
 منع ايقاف التنفيذ في الجرائم ضد الزوجة
 اجازت المادة ( 144 ) من قانون العقوبات ( الاتحادي ) ايقاف تنفيذ عقوبة الحبس بحق الجاني بشروط معينة ، وقد يساء استعمال هذا النص في ايقاف تنفيذ العقوبات بحق المجرمين ممن يرتكبون جرائم مؤثرة على حقوق المرأة ، لذا منع اقليم كردستان ايقاف تنفيذ العقوبات في الجرائم المرتكبة ضد الزوجة فقط بموجب القانون رقم 43 لسنة 2004 الذي نص :-
المادة الاولى :- لا يسري ايقاف تنفيذ العقوبة الواردة في المادة ( 144 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل على الجرائم التي ترتكب بحق الزوجة .
المادة الثانية :- لا يعمل باي نص يتعارض واحكام هذا القانون .
المادة الثالثة :- على مجلس الوزراء تنفيذ احكام هذا القانون . المادة الرابعة :- ينفذ هذا القانون اعتبارا من تاريخ نشره في جريدة وقائع كردستان . ) ([7]) .
ان النص يمنع – فيما يبدو – ايقاف تنفيذ الاحكام بالحبس التي تصدر بحق الزوج حينما يرتكب جريمة – من اي نوع – تكون زوجته هي المجنى عليها فيها ، اي انه يريد التشدد ضد الازواج الذين يرتكبون جرائم ضد زوجاتهم لفرض المزيد من الردع العام بشأن تلك الجرائم .
ان هذا القانون – رغم انه خطوة جيدة – الا انه لم يوفر حماية الا عن جرائم الازواج ضد زوجاتهم فقط ، في حين ان جرائم العنف الاسري التي ترتكب في مجتمعاتنا ضد النساء لا تقتصر على الزوجة كمجنى عليها فقط ، بل تمتد لتشمل الاخت والام والبنت وبنت الابن وحتى ابنة العم وابنة الاخ والعمة والخالة فكان يتوجب توفير الحماية بمثل هذا الحكم لكل فئات النساء المذكورة ، كما ان العنف الاسري لا يرتكبه الازواج فقط ، بل قد يرتكبه الاب او الجد او الابن او الاخ او العم وابن الابن والعم والخال بل حتى ابن العم وابن الخال .
الا ان القانون توسع توسعا غير مبرر في جانب الجرائم التي شملها ، فمنع ايقاف التنفيذ في كل انواع الجرائم ما دامت ترتكب بحق الزوجة ، وكان ينبغي حصرها في جرائم العنف الاسري فقط ، فقد يرتكب الزوج جريمة خيانة الامانة بحق زوجته كأن تأتمنه على مخشلات ذهبية تعود لشقيقتها فيقوم بيبيعها والتصرف بثمنها ، او يسرق اموالها المودعة في بيت اخر يعود اليها مثلا ، فهذه جرائم عادية لا مبرر لادخالها في مثل هذا النص الذي يقصد من وراءه حماية المرأة من الانتهاكات التي تقع عليها باعتبارها انثى فقط دون الجرائم الاخرى العادية التي قد ترنكب ضد الرجال بنفس الطريقة التي تركب بها ضد النساء .
المطلب الرابع
المساواة بين الرجل والمرأة في تجريم الزنا
تنص المادة ( 377 ) من قانون العقوبات ( الاتحادي ) رقم 111 لسنة 1969 المعدل :- ( 1- تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ، ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ، ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها . 2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنا في منزل الزوجية .)
ان هذا النص يعاقب الزوجة اذا زنت في اي مكان ، سواء في منزل الزوجية او خارجه ، الا انه لا يجرم زنا الزوج الا اذا وقع في بيت الزوجية ، كما انه يعاقب شريك الزوجة بالزنا اي يعاقب من زنا بالزوجة بنفس العقوبة ، ولكنه لا يعاقب شريك الزوج في جريمة الزنا اي لا يجرم فعل من زنا بها الزوج في منزل الزوجية([8]) ، لذا فان هذا النص يتضمن تمييزا ضد المرأة وعدم مساواة لها مع الرجل امام القانون .
لذا اوقف اقليم كردستان العمل بالفقرة ( 2 ) من المادة ( 377 ) من قانون العقوبات الاتحادي وجاء بنص بديل عنه يجرم زنا الزوج اينما وقع، ويجرم فعل شريكة الزوج بالزنا ويعاقبهما بنفس العقوبة ، بموجب القانون رقم ( 9 ) لسنة 2001 الذي نص :-
المادة الاولى :- يوقف العمل في اقليم كردستان بالفقرة ( 1 ) من المادة ( 377 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
المادة الثانية :- يعاقب الزوج الزاني ومن زنا بها بالعقوبة الواردة في القرة ( 1 ) من المادة ( 377 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل .
المادة الثالثة :- على مجلس الوزراء تنفيذ احكام هذا القانون . المادة الرابعة :- ينفذ هذا القانون اعتبارا من تاريخ نشره في جردة وقائع كودستان . )([9]).
لقد ساوى هذا التعديل بين الرجل والمرأة في تجريم فعل الزنا اينما وقع وتجريم فعل الشريك بالزنا ومعاقبة الجميع بالعقوبة ذاتها ( الحبس لمدة لا تقل عن اربع وعشرين ساعة ولا تزيد على خمس سنوات ) ، الا ان تمييزا اخر تضمنته المادتين 378 و379 من قانون العقوبات لا يزال قائما بينهما :-
1-   ما جاء به عجز الفقرة ( 2 ) من المادة ( 378 ) من قانون العقوبات الاتحادي بقولها :- ( ويبقى حق الزوج في تحريك دعوى الزنا الذي تركبه زوجته الى انتهاء اربعة اشهر بعد طلاقها ) اي ان للرجل ان يحرك دعوى الزنا على مطلقته وقبل انقضاء اربعة اشهر ، ولا يحق ذلك للزوجة ، وتتحمل الفاظ النص ان يفسر بانه يعطي الرجل حق تحريك الشكوى ضد مطلقته اذا زنت بعد طلاقها لان النص جاء بعبارة ( الذي ترتكبه زوجته الى انتهاء اربعة اشهر بعد طلاقها )  وهو يجعل المرأة مجرمة بزنا الزوجية حتى اربعة اشهر بعد طلاقها وانحلال رابطة الزوجية عنها ، بخلاف الزوج الذي لا يعد زناه زنا زوجية حال تطليقه زوجته ، ولا يمكنها تحريك الشكوى ضده عن تلك الجريمة .
2-   ما جاءت به المادة ( 379 ) من قانون العقوبات الاتحادي التي تنص في عجز الفقرة ( 1 ) التي نصت :- ( ويعتبر تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية تنازلا منه عن محاكمة من زنا بها ) ، ولا يوجد نص مماثل بالنسبة للزوجة بعد ان جرم اقليم كردستان فعل شريكة الزوج بالزنا . فيتوجب ان ينص على ان ( تنازل الزوجة عن محاكمة زوجها الزاني تنازل عن محاكمة من زنا بها.  ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق