الخميس، 22 مارس 2018


تأملات في الدستور:-النصوص القانونية المخالفة للدستور
 بين البطلان وعدم الدستورية

الدستور في كل الانظمة القانونية في العالم هو القانون الاعلى في البلاد ، وهو ملزم لجميع السلطات في الدولة بضمنها السلطة التشريعية ، التي لا يصح لها تشريع قانون يتعارض مع احكامه ، فأذا سنت مثل ذلك القانون ، فلا عبرة به ، وهو ( اي النص المخالف للدستور ) اما واجب الالغاء في الانظمة القانونية التي تأخذ بتشكيل جهة مختصة للنظر في دستورية القوانين سواء كانت تلك الجهة محكمة دستورية او مجلس سياسي دستوري ، او هو واجب الترك او الاهمال ، بعدم تطبيقه ، من قبل المحكمة المختصة بنظر النزاع في الانظمة القانونية التي لا تأخذ بتشكيل جهة مختصة للنظر في دستورية القوانين .
والدستور العراقي الدائم لعام 2005 كغيره من الدساتير نص في المادة ( 13 / اولا ) منه :- ( يعد هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق ، ويكون ملزما في انحائه كافة وبدون استثناء . ) .
فلا يجوز سن قانون ولا نظام ولا تعليمات تخالف احكام ذلك الدستور ، ولكن اذا وقع وقامت الجهات المختصة باصدار القوانين ( مجلس النواب ) او المختصة باصدار الانظمة و التعليمات ( مجلس الوزراء ) ، باصدار قوانين او انظمة او تعليمات تخالف احكام الدستور فما هو الموقف منها ، وما هو الموقف من النصوص القانونية او الانظمة او التعليمات المخالفة لاحكام ذلك الدستور التي كانت نافذة قبل نفاذ الدستور ؟
المعروف ان الانظمة القانونية في العالم تعالج مسألة عدم دستورية القوانين بطريقين :-
الاول :- تأسيس جهة قضائية او سياسية تختص في النظر في دستورية القوانين ، وهي اما محكمة دستورية عليا او مجلس سياسي كما هو الحال في ايران وفرنسا ولبنان . فاذا صدر قانون عادي يخالف الدستور تصدت له الجهة المذكورة فالغته بعد صدوره اذا كانت الرقابة لاحقه او منعت اصداره اذا كانت الرقابة سابقة ، فأذا وجد في التنظيم القانوني للبلد مثل تلك الجهة فلا يجوز للقضاء العادي النظر في دستورية القوانين ، وان كان القانون او النظام او التعليمات فيها مخالفة صريحة لاحكام الدستور لان ذلك يخرج عن اختصاص كل المحاكم وتدخل في اختصاص جهة شكلها الدستور ، فمن يريد الطعن بدستورية قانون ان يقيم الدعوى امام تلك الجهة ان اجاز القانون ذلك ، اما غير تلك الجهة ، وسواها من المحاكم ، فلا اختصاص لها للنظر في دستورية القوانين ، ولا حق لها - مع وجود تلك الجهة – ان تمتنع عن تطبيق قانون او نظام او تعليمات ما بحجة انها غير دستورية او تخالف او تتعارض مع احكام الدستور .
الثاني :- هي الانظمة التي سكتت عن معالجة مسألة الرقابة على دستورية القوانين ، فلم تؤسس جهة مختصة للنظر في دستورية القوانين ، فهذه الانظمة لا توجد فيها جهة تنظر في مطابقة القوانين للدستور او تعارضها معه ، وقد استقر الفقة والقضاء ، في مثل هذه الحالة ، ان يعطي صلاحية النظر في دستورية القوانين للقضاء العادي ، فاذا تصدى القضاء العادي للفصل في دعوى تدخل في اختصاصه ، يحكمها قانون وجد فيه ذلك القضاء مخالفة لاحكام الدستور ، كان للقضاء في هذه الحالة ان يمتنع عن تطبيق احكام ذلك القانون المخالف للدستور ، ويفصل في الدعوى المنظورة امامه وكأن ذلك القانون غير موجود ، دون ان يكون له سلطة اصدار القرار بالغاء ذلك القانون ، فيظل ذلك القانون نافذا منتجا لاثاره كتشريع عادي ولو صدقت اعلى محكمة في البلد كمحكمة التمييز ذلك القرار الذي ذهب الى عدم دستورية ذلك القانون ، ولا يلغى ذلك القانون الا بتشريع يصدر من السلطة التشريعية التي اصدرته بالغاءه ، وقد تطبقه محكمة اخرى في دعوى مشابه اذا كان رأيها ان القانون لا يخالف الدستور ، وهذا النوع من الرقابة على دستورية القوانين يعرف برقابة الامتناع لان القضاء يكتفي بالامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري فقط دون ان يلغيه  .
والدستور العراقي الدائم لسنة 2005 اخذ بالحل الاول ، فشكل جهة قضائية مختصة للنظر في دستورية القوانين ، هي المحكمة الاتحادية العليا ، كان من بين اختصاصاتها ( الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة ) طبقا لما تنص عليه المادة ( 93 / اولا ) منه ، ويكون بالتالي سواها من محاكم القضاء العراقي ممنوع من النظر في دستورية القوانين ، ولا حق له في الامتناع عن تطبيق قانون او نظام بحجة انه يخالف احكام الدستور ، لان ذلك يدخل في اختصاص المحكمة الاتحادية العليا حصرا ، ولا حق لغيرها في التصدي له .
لذا فان الاصل العام يكون بان تتولى المحكمة المذكورة النظر في دستورية القوانين والانظمة ، فان وجدتها تخالف احكام الدستور قضت بعدم دستوريتها  ، وسيحدد قانون المحكمة الاتحادية العليا ، الذي ينبغي بمجلس النواب اصداره وفقا لاحكم المادة ( 92 / ثانيا ) من الدستور ، اثر قرار المحكمة باعتبار القانون او النظام غير دستوري .
فاذا حكم بذلك عد القانون ملغيا ، ولا اثر له ، وحين ذاك يكون للمحاكم حسم النزاعات المعروضة عليها او التي ستعرض عليها لاحقا دون الالتفات لذلك القانون ، ولو لم يصدر تشريع لاحق بالغاءه ، لانه يعد ملغيا بقرار المحكمة الاتحادية العليا الذي قضى بانه ( غير دستوري ) .
الا ان ذلك كله هو الموقف من القوانين والانظمة التي ستصدر بعد نفاذ الدستور الدائم فقط ، اي القوانين والانظمة التي ستصدر في ظل الدستور الدائم . اما القوانين والانظمة التي كانت نافذة قبل نفاذ الدستور فحكمها مختلف تماما ، والمقصود بها هي التشريعات النافذة في 9 / 4 / 2003 ، والتشريعات الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة سواء كانت لوائح او اوامر او انظمة ، والتشريعات الصادر من الحكومة المؤقتة ( مجلس الوزراء المؤقت ) طبقا للسلطة التشريعية التي منحت اليه بموجب احكام ملحق قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، والقوانين التي اصدرتها الجمعية الوطنية الانتقالية وفقا لاحكام قانون ادارة الدولة ، اذ تحكمها المادة ( 130 ) من الدستور التي نصت :- ( تبقى التشريعات النافذة معمولا بها ، ما لم تلغ او تعدل ، وفقا لاحكام الدستور . ) فالتشريعات النافذة قبل نفاذ الدستور والتي لم تلغ او تعدل قبل نفاذه تظل معتبرة نافذة واجبة العمل بها ، ما لم تلغ او تعدل وفقا لاحكام الدستور ، والتشريعات تلغى او تعدل وفقا لاحكام الدستور الدائم باحد طريقين :-
الاول :- فأما ان تلغى او تعدل بتشريع لاحق يصدر من الجهة التي اعطاها الدستور سلطة اصدار مثل ذلك التشريع .
الثاني :- واما ان يصدر قرار المحكمة الاتحادية العليا باعتبار التشريع غير دستوري ، فيعد التشريع ملغيا بذلك القرار .
فتكون التشريعات النافذة حين نفاذ الدستور بحكم التشريعات التي ستصدر في ظـله او بعد نفاذه .
الا ان الامر لا يقف عند هذا الحد ، فالفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 13 ) من الدستور نصت :- ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ، ويعد باطلا ، كل نص يرد في دساتير الاقليم ، او اي نص قانوني اخر يتعارض معه )  
فهذا النص عد كل نص قانوني يتعارض مع الدستور باطلا ، سواء ورد في دساتير الاقاليم المشكلة ( اقليم كردستان ) او التي ستشكل لاحقا ، وسواء ورد النص القانوني في قانون لاحق لنافذ الدستور او في قانون سابق لنفاذه ، ولكن من هي الجهة التي ستقرر تعارض نص دستور الاقليم او النص القانوني ، مع الدستور ؟
الملاحظ ان النص اعلاه تحدث عن صنفين من النصوص ، فعدها باطلة ، لتعارضها مع الدستور هي :-
1- نصوص في دساتير الاقاليم .
2- نصوص قانونية .
اما الصنف الاول النصوص الواردة في دساتير الاقاليم ، فلم ينص الدستور على انشاء جهة تختص في النظر في دستوريتها ، لان الجهة الوحيدة التي انشئها الدستور واعطاها سلطة ( الرقابة على دستورية القوانين والانظمة ) هي المحكمة الاتحادية العليا ، ولم يمنح الدستور تلك الجهة صلاحية النظر في دستورية نصوص دساتير الاقليم . فمن هي – اذن - الجهة التي لها سلطة او صلاحية النظر في تعارض او عدم تعارض نصوص دساتير الاقليم ( القائمة او التي ستشكل ) مع دستور البلاد ؟
والجدير بالملاحظة ان الدستور اعطى المحكمة الاتحادية العليا صلاحية الرقابة على دستورية صنفين من التشريع هما :-
1-  القوانين :- وهذه هي التشريعات التي تصدر من ( مجلس النواب ) طبقا لصلاحيتة التي نصت عليها المادة ( 61 / اولا ) من الدستور بقولها :- ( يختص مجلس النواب بما يأتي :- 1- تشريع القوانين الاتحادية .) فهذه هي القوانين الاتحادية ، وتشمل ايضا صنف اخر هي القوانين التي تدخل في صلاحيات الاقليم والمحافظات  والتي يمكن ان نسميها القوانين الاقليمية او المحلية.
2-  الانظمة :- وهذه هي ما يصدر عن مجلس الوزراء طبقا للصلاحية التي نصت عليها المادة ( 80 / ثالثا ) من الدستور بقولها :- ( يمارس مجلس الوزاء الصلاحيات الاتية :- اولا :- ... ثالثا :- اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين . ... ) .
فالقوانين والانظمة هي وحدها التي جعل الدستور المحكمة الاتحادية العليا تراقب دستوريتها ، الا ان هناك رديفين ( للانظمة ) في نص المادة ( 80 / ثالثا ) من الدستور ، المشار اليها انفا ، لم ينص الدستور على تحديد جهة ما تراقب دستوريتها هما :-
 1- التعليمات .
 2- القرارات .
فمن هي الجهة المختصة بالرقابة على دستوريتها  ؟   
             
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق