تأملات في الدستور:-النصوص القانونية المخالفة للدستور
بين البطلان
وعدم الدستورية
الدستور في كل الانظمة القانونية في العالم هو القانون
الاعلى في البلاد ، وهو ملزم لجميع السلطات في الدولة بضمنها السلطة التشريعية ،
التي لا يصح لها تشريع قانون يتعارض مع احكامه ، فأذا سنت مثل ذلك القانون ، فلا
عبرة به ، وهو ( اي النص المخالف للدستور ) اما واجب الالغاء في الانظمة القانونية
التي تأخذ بتشكيل جهة مختصة للنظر في دستورية القوانين سواء كانت تلك الجهة محكمة
دستورية او مجلس سياسي دستوري ، او هو واجب الترك او الاهمال ، بعدم تطبيقه ، من
قبل المحكمة المختصة بنظر النزاع في الانظمة القانونية التي لا تأخذ بتشكيل جهة
مختصة للنظر في دستورية القوانين .
والدستور العراقي الدائم لعام 2005 كغيره من الدساتير نص
في المادة ( 13 / اولا ) منه :- ( يعد هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في
العراق ، ويكون ملزما في انحائه كافة وبدون استثناء . ) .
فلا يجوز سن قانون ولا نظام ولا تعليمات تخالف احكام ذلك
الدستور ، ولكن اذا وقع وقامت الجهات المختصة باصدار القوانين ( مجلس النواب ) او
المختصة باصدار الانظمة و التعليمات ( مجلس الوزراء ) ، باصدار قوانين او انظمة او
تعليمات تخالف احكام الدستور فما هو الموقف منها ، وما هو الموقف من النصوص
القانونية او الانظمة او التعليمات المخالفة لاحكام ذلك الدستور التي كانت نافذة
قبل نفاذ الدستور ؟
المعروف ان الانظمة القانونية في العالم تعالج مسألة عدم
دستورية القوانين بطريقين :-
الاول :- تأسيس جهة
قضائية او سياسية تختص في النظر في دستورية القوانين ، وهي اما محكمة دستورية عليا
او مجلس سياسي كما هو الحال في ايران وفرنسا ولبنان . فاذا صدر قانون عادي يخالف
الدستور تصدت له الجهة المذكورة فالغته بعد صدوره اذا كانت الرقابة لاحقه او منعت
اصداره اذا كانت الرقابة سابقة ، فأذا وجد في التنظيم القانوني للبلد مثل تلك
الجهة فلا يجوز للقضاء العادي النظر في دستورية القوانين ، وان كان القانون او
النظام او التعليمات فيها مخالفة صريحة لاحكام الدستور لان ذلك يخرج عن اختصاص كل
المحاكم وتدخل في اختصاص جهة شكلها الدستور ، فمن يريد الطعن بدستورية قانون ان
يقيم الدعوى امام تلك الجهة ان اجاز القانون ذلك ، اما غير تلك الجهة ، وسواها من
المحاكم ، فلا اختصاص لها للنظر في دستورية القوانين ، ولا حق لها - مع وجود تلك
الجهة – ان تمتنع عن تطبيق قانون او نظام او تعليمات ما بحجة انها غير دستورية او
تخالف او تتعارض مع احكام الدستور .
الثاني :- هي الانظمة
التي سكتت عن معالجة مسألة الرقابة على دستورية القوانين ، فلم تؤسس جهة مختصة
للنظر في دستورية القوانين ، فهذه الانظمة لا توجد فيها جهة تنظر في مطابقة
القوانين للدستور او تعارضها معه ، وقد استقر الفقة والقضاء ، في مثل هذه الحالة ،
ان يعطي صلاحية النظر في دستورية القوانين للقضاء العادي ، فاذا تصدى القضاء
العادي للفصل في دعوى تدخل في اختصاصه ، يحكمها قانون وجد فيه ذلك القضاء مخالفة
لاحكام الدستور ، كان للقضاء في هذه الحالة ان يمتنع عن تطبيق احكام ذلك القانون
المخالف للدستور ، ويفصل في الدعوى المنظورة امامه وكأن ذلك القانون غير موجود ،
دون ان يكون له سلطة اصدار القرار بالغاء ذلك القانون ، فيظل ذلك القانون نافذا
منتجا لاثاره كتشريع عادي ولو صدقت اعلى محكمة في البلد كمحكمة التمييز ذلك القرار
الذي ذهب الى عدم دستورية ذلك القانون ، ولا يلغى ذلك القانون الا بتشريع يصدر من
السلطة التشريعية التي اصدرته بالغاءه ، وقد تطبقه محكمة اخرى في دعوى مشابه اذا
كان رأيها ان القانون لا يخالف الدستور ، وهذا النوع من الرقابة على دستورية
القوانين يعرف برقابة الامتناع لان القضاء يكتفي بالامتناع عن تطبيق القانون غير
الدستوري فقط دون ان يلغيه .
والدستور العراقي الدائم لسنة 2005 اخذ بالحل الاول ،
فشكل جهة قضائية مختصة للنظر في دستورية القوانين ، هي المحكمة الاتحادية العليا ،
كان من بين اختصاصاتها ( الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة ) طبقا
لما تنص عليه المادة ( 93 / اولا ) منه ، ويكون بالتالي سواها من محاكم القضاء
العراقي ممنوع من النظر في دستورية القوانين ، ولا حق له في الامتناع عن تطبيق
قانون او نظام بحجة انه يخالف احكام الدستور ، لان ذلك يدخل في اختصاص المحكمة
الاتحادية العليا حصرا ، ولا حق لغيرها في التصدي له .
لذا فان الاصل العام يكون بان تتولى المحكمة المذكورة
النظر في دستورية القوانين والانظمة ، فان وجدتها تخالف احكام الدستور قضت بعدم
دستوريتها ، وسيحدد قانون المحكمة
الاتحادية العليا ، الذي ينبغي بمجلس النواب اصداره وفقا لاحكم المادة ( 92 /
ثانيا ) من الدستور ، اثر قرار المحكمة باعتبار القانون او النظام غير دستوري .
فاذا حكم بذلك عد القانون ملغيا ، ولا اثر له ، وحين ذاك
يكون للمحاكم حسم النزاعات المعروضة عليها او التي ستعرض عليها لاحقا دون الالتفات
لذلك القانون ، ولو لم يصدر تشريع لاحق بالغاءه ، لانه يعد ملغيا بقرار المحكمة
الاتحادية العليا الذي قضى بانه ( غير دستوري ) .
الا ان ذلك كله هو الموقف من القوانين والانظمة التي
ستصدر بعد نفاذ الدستور الدائم فقط ، اي القوانين والانظمة التي ستصدر في ظل
الدستور الدائم . اما القوانين والانظمة التي كانت نافذة قبل نفاذ الدستور فحكمها
مختلف تماما ، والمقصود بها هي التشريعات النافذة في 9 / 4 / 2003 ، والتشريعات
الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة سواء كانت لوائح او اوامر او انظمة ،
والتشريعات الصادر من الحكومة المؤقتة ( مجلس الوزراء المؤقت ) طبقا للسلطة
التشريعية التي منحت اليه بموجب احكام ملحق قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة
الانتقالية ، والقوانين التي اصدرتها الجمعية الوطنية الانتقالية وفقا لاحكام
قانون ادارة الدولة ، اذ تحكمها المادة ( 130 ) من الدستور التي نصت :- ( تبقى
التشريعات النافذة معمولا بها ، ما لم تلغ او تعدل ، وفقا لاحكام الدستور . ) فالتشريعات
النافذة قبل نفاذ الدستور والتي لم تلغ او تعدل قبل نفاذه تظل معتبرة نافذة واجبة
العمل بها ، ما لم تلغ او تعدل وفقا لاحكام الدستور ، والتشريعات تلغى او تعدل
وفقا لاحكام الدستور الدائم باحد طريقين :-
الاول :- فأما ان تلغى
او تعدل بتشريع لاحق يصدر من الجهة التي اعطاها الدستور سلطة اصدار مثل ذلك
التشريع .
الثاني :- واما ان يصدر
قرار المحكمة الاتحادية العليا باعتبار التشريع غير دستوري ، فيعد التشريع ملغيا
بذلك القرار .
فتكون التشريعات النافذة حين نفاذ الدستور بحكم
التشريعات التي ستصدر في ظـله او بعد نفاذه .
الا ان الامر لا يقف عند هذا الحد ، فالفقرة ( ثانيا )
من المادة ( 13 ) من الدستور نصت :- ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ،
ويعد باطلا ، كل نص يرد في دساتير الاقليم ، او اي نص قانوني اخر يتعارض معه )
فهذا النص عد كل نص قانوني يتعارض مع الدستور باطلا ،
سواء ورد في دساتير الاقاليم المشكلة ( اقليم كردستان ) او التي ستشكل لاحقا ،
وسواء ورد النص القانوني في قانون لاحق لنافذ الدستور او في قانون سابق لنفاذه ،
ولكن من هي الجهة التي ستقرر تعارض نص دستور الاقليم او النص القانوني ، مع
الدستور ؟
الملاحظ ان النص اعلاه تحدث عن صنفين من النصوص ، فعدها
باطلة ، لتعارضها مع الدستور هي :-
1- نصوص في دساتير الاقاليم .
2- نصوص قانونية .
اما الصنف الاول النصوص الواردة في دساتير الاقاليم ، فلم
ينص الدستور على انشاء جهة تختص في النظر في دستوريتها ، لان الجهة الوحيدة التي
انشئها الدستور واعطاها سلطة ( الرقابة على دستورية القوانين والانظمة ) هي
المحكمة الاتحادية العليا ، ولم يمنح الدستور تلك الجهة صلاحية النظر في دستورية
نصوص دساتير الاقليم . فمن هي – اذن - الجهة التي لها سلطة او صلاحية النظر في تعارض
او عدم تعارض نصوص دساتير الاقليم ( القائمة او التي ستشكل ) مع دستور البلاد ؟
والجدير بالملاحظة ان الدستور اعطى المحكمة الاتحادية
العليا صلاحية الرقابة على دستورية صنفين من التشريع هما :-
1- القوانين :- وهذه هي التشريعات التي تصدر من ( مجلس
النواب ) طبقا لصلاحيتة التي نصت عليها المادة ( 61 / اولا ) من الدستور بقولها :-
( يختص مجلس النواب بما يأتي :- 1- تشريع القوانين الاتحادية .) فهذه هي القوانين
الاتحادية ، وتشمل ايضا صنف اخر هي القوانين التي تدخل في صلاحيات الاقليم
والمحافظات والتي يمكن ان نسميها القوانين
الاقليمية او المحلية.
2- الانظمة :- وهذه هي ما يصدر عن مجلس الوزراء طبقا
للصلاحية التي نصت عليها المادة ( 80 / ثالثا ) من الدستور بقولها :- ( يمارس مجلس
الوزاء الصلاحيات الاتية :- اولا :- ... ثالثا :- اصدار الانظمة والتعليمات
والقرارات بهدف تنفيذ القوانين . ... ) .
فالقوانين والانظمة هي وحدها التي جعل الدستور المحكمة
الاتحادية العليا تراقب دستوريتها ، الا ان هناك رديفين ( للانظمة ) في نص المادة
( 80 / ثالثا ) من الدستور ، المشار اليها انفا ، لم ينص الدستور على تحديد جهة ما
تراقب دستوريتها هما :-
1- التعليمات .
2- القرارات .
فمن هي الجهة المختصة بالرقابة على دستوريتها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق