الخميس، 22 مارس 2018



تعليق على حكم
المحكمة الاتحادية العليا :-
 لا تشريع الا عن طريق السلطة التنفيذية
                                                                           القاضي
                                                                                     رحيم حسن العكيلي

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمين بالعدد ( 43 و44 / اتحادية / 2010 ) في 12 / 7 / 2010 جاءت بهما بحكم بالغ الاهمية والخطورة في تفسير نص المادة ( 60 ) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 حيث قضت بالغاء قانونين صدرا من مجلس النواب بناء على ( مقترحي قانون ) تقدمت بهما لجنة العمل والخدمات في مجلس النواب ، هما قانون ( فك ارتباط دوائر الشؤون الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ) رقم 18 لسنة 2010 وقانون ( الغاء وزارة البلديات والاشغال العامة ) ، على اساس عدم جواز اصدار القوانين بناء على ( مقترحات القوانين ) بل لا يصح اصدارها الا بناء على ( مشروع قانون ) تعده ( السلطة التنفيذية  ) حصرا ، أي ان  ( مقترحات القوانين ) التي تتقدم بها السلطة التشريعية لا تصلح لتشريع القوانين بالاستناد اليها ، الا بعد ان تودع الى السلطة التنفيذية لتعد - اذا ما وافقت عليها – ( مشروع قانون ) لتودعه الى السلطة التشريعية لتنظر في تشريعه ، أي ان السلطة التنفيذية هي صاحبة القول الفصل في الاخذ او ترك ( مقترحـات القوانين ) التي تتقدم بها السلطة التشريعية .
اذ تقول المحكمة الاتحادية العليا في الحكمين المذكورين  :- ( وجدت المحكمة من استقراء نصوص الدستور انه تبنى مبدأ الفصل بين السلطات في المادة ( 47 ) منه ، وان مشروعات القوانين خص بتقديمها السلطة التنفيذية ويلزم ان تقدم من جهات ذات اختصاص في السلطة التنفيذية لتعلقها بالتزامات مالية وسياسية ودولية واجتماعية وان الذي يقوم بايفاء هذه الالتزامات هي السلطة التنفيذية وذلك حسبما نص عليه الدستور في المادة ( 80 ) منه ، وليست السلطة التشريعية ، وحيث ان دستور جمهورية العراق رسم في المادة ( 60 ) منه منفذين تقدم من خلالهما مشروعات القوانين ، وهذا المنفذان يعودان حصرا للسلطة التنفيذية وهما رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ، واذا ما قدمت من غيرهما فأن ذلك يعد مخالفة دستورية لنص المادة ( 60 / اولا ) من الدستور ، وان الفقرة ( ثانيا ) من المادة ( 60 ) من الدستور اجازت لمجلس النواب تقديم مقترحات القوانين عن طريق عشرة من اعضاء مجلس النواب او من احدى لجانه المختصة ، ومقترح القانون لا يعني مشروع قانون لان المقترح هو فكرة والفكرة لا تكون مشروعا ويلزم ان يأخذ المقترح طريقه الى احد المنفذين المشار اليهما لاعداد مشروع القانون وفق ما رسمته القوانين والتشريعات النافذة اذا ما وافق ذلك سياسة السلطة التنفيذية التي اقرها مجلس النواب ومن متبعة القانون موضوع الدعوى المشار اليه انفا وجد انه مقترحا تقدمت به لجنة العمل والخدمات في مجلس النواب الى هيئة رئاسة مجلس النواب ولم يكن مشروع قانون تقدمت به السلطة التنفيذية واستنفذ مراحله قبل تقديمه ، وحيث تم اقرار هذا القانون من مجلس النواب ومجلس الرئاسة ونشر في الجريدة الرسمية دون ان تبدي السلطة التنفيذية الرأي فيه ضمن التزاماتها السياسية الداخلية منها والدولية وهذا مخالف للطريق المرسوم لاصدار القانونين من الناحية الدستورية ... ) انتهى الاقتباس .
ان القرارين المبحوثين تصديا لتفسير المادة ( 60 ) من الدستور التي نصت :- ( اولا :- مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء . ثانيا :- مقترحات القوانين تقدم من عشرة من اعضاء مجلس النواب او من احدى لجانه المختصة . )
ويبدو واضحا ان النص تحدث عن امرين :- الاول :- ( مشروعات القوانين ) والثاني :- ( مقترحات القوانين ) .
والفرق الوحيد بينهما وفق ما جاء به النص هو جهة تقديمها ، فـ ( مشروعات القوانين ) تقدم من السلطة التنفيذية اما ( مقترحات القوانين ) فتقدم من السلطة التشريعة .
ولكل جهة طريقان للتقديم :- اذ تقدم السلطة التنفيذية القوانين ( مشروعات القوانين ) اما عن طريق رئيس الجمهورية او عن طريق مجلس الوزراء .
اما السلطة التشريعية فتقدم ( مقترحات القوانين ) اما عن طريق عشرة اعضاء من مجلس النواب[1] ، او عن طريق احدى لجانه المختصة )  .
وينتهي عند هذا الحد ما يمكن استقاءه من نص المادة المذكورة من وجه نظرنا التفسيرية ، الا ان المحكمة الاتحادية جاءت بامور خطيرة اخرى اسندتها للمادة ( 60 ) غير ما ذكرناه انفا اهمها :-
1-  رفض الاعتراف لمقترحات القوانين بصفة ( مسودات قوانين ) وحصر تلك الصفة بمشروعات القوانين فقط ، واقامت المحكمة التفريق بين (مشروع القانون) و(مقترح القانون) ليس على معيار ( جهة تقديم كل منها ) ، بل اقامته على اساس الاختلاف بينهما في مضمون كل منها وقيمته في العملية التشريعية واليات التعامل معه ، فلم تنظر الى ( مقترح القانون) على انه ( مسودة قانون ) كما هو حال ( مشروع القانون ) بل عدته مجرد ( فكرة ) . كما انها فرقت بينهما في القيمة فجعلت المشروع صالحا لاصدار التشريع بالاستناد اليه دون المقترح ، كما فرقت بينهما على اساس اليات التعامل مع كل منهما ، اذ لابد للمقترح ان يتحول الى مشروع لكي يكون صالحا للنظر به كمسودة قانون . 
2-   لا يجوز اصدار قانون الا بناء على ( مشروع قانون ) . وذلك يعني بان السلطة التشريعية لا تستطيع تشريع أي قانون الا بناء على مشروع قانون تعده السلطة التنفيذية .
3-  لا يجوز للسلطة التشريعية اقتراح او اعداد او تقديم ( مشاريع القوانين ) ، اذ ان ذلك ( أي تقديم مشاريع القوانين ) صلاحية حصرية للسلطة التنفيذية بواسطة احدى جناحيه ( رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء ) . وهذه نقطة لا اشكال فيها من الناحية التفسيرية تمسكا بحرفية والفاظ النص ، الا انها تشكل اشكالا دستوريا كبيرا حينما يضاف اليها بان ( :- لا تشريع الا بمشروع قانون ) . لان ذلك يعني :- ( بان لا تشريع الا بموافقة السلطة التنفيذية ) ، لان مشاريع القوانين لا تقدم الا عن طريقها .
4-  لا يجوز اصدار قانون بناء على ( مقترح قانون ) تقدمه السلطة التشريعية . لان ( مقترح القانون ) هو فكرة ، والفكرة لا تصلح ان تكون ( مشروعا ) ولا تشريع الا بمشروع قانون من السلطة التنفيذية  . وبالتالي لا تستطيع السلطة التشريعية الانفراد بالعملية التشريعية ، بل ان مقترحاتها للقوانين يجب ان تذهب الى السلطة التنفيذية ، لاعداد مشروع قانون بها - اذا ما وافق مجلس الوزراء على المقترح ( الفكرة )-  ثم تقديمه كمشروع قانون ، وحين ذاك فقط يستطيع مجلس النواب النظر بتشريعه . أي ان مقترحات القوانين التي تقدمها السلطة التشريعية ، انما يتحدد مصيرها في ضوء ما تراه السلطة التنفيذية ، أي ان مقترحات قوانين السلطة التشريعية تكون دائما تحت رحمتها .
وكل ذلك يتمخض باختصار عن نتيجتين في غاية الخطورة :-
الاولى :-لا يجوز تشريع القوانين الا بناء على ( مشروع قانون ) تقدمه السلطة التنفيذية حصرا .
 الثانية :- ان مصير ( مقترحات القوانين ) التي تقدمها السلطة التشريعية مرهون برأي وارادة السلطة التنفيذية .
وهذه النتيجتان تجتمعان لننتهي الى نتيجة خطيرة واحدة هي ان السلطة التشريعية لا تمارس مهامها في تشريع القوانين الا بواسطة السلطة التنفيذية ، بل ان مصير مقترحاتها بشأن القوانين مرهونة بيد تلك السلطة . فالعملية التشريعية كلها لا يمكن تحريكها الا  بواسطة السلطة التنفيذية ، وذلك يعني ان اهم وظائف السلطة التشريعية وهي سن القوانين مرهون بيد سلطة اخرى ، وفي ذلك تعطيل كامل لمبدأ الفصل بين السلطات ، اذ ان ذلك يرهن دور السلطة التشريعية الرئيسي وهو تشريع القوانين بيد السلطة التنفيذية ، فاين نحن هنا من فصل السلطات وممارسات النظام البرلماني الذي اخذ دستورنا به كأطار عام ، ما دامت اهم السلطات في الانظمة البرلمانية ( السلطة التشريعية ) لا تستطيع ممارسة دورها في التشريع الا عن طريف السلطة التنفيذية .
وذلك يكشف- في ضوء ما انتهت اليه المحكمة الاتحادية العليا - عن عيب خطير في صياغة دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، اذ انه تفاصيله تتناقض تماما مع مبادئه العامة ، فهو اذ يقرر الاخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقتضي ان تنفرد كل سلطة بمارسة دورها ووظائفها دون تدخل السطات الاخرى ، الا انه يعود في التفاصيل فيرهن ممارسة السلطة التشريعية لاهم ادوارها ( التشريع ) بيد السلطة التنفيذية ، ويغل يدها عن ممارسة أي دور - ولو كان اقتراح القوانين او اعداد مشروعات القوانين - الا عن طريق السلطة التنفيذية حصرا .
الا ان فهم المحكمة الاتحادية العليا المبحوث فيه جاء مخالف تماما للفهم الذي بني عليه النظام الداخلي لمجلس النواب ، اذ ان النظام المذكور نظر الى مشروع القانون ومقترح القانون على قدم المساواة فيما يتعلق بكونهما ( مسودات قوانين ) يصلحان للنظر في اصدارهما كقوانين ، اذ نصت المادة ( 31 ) منه :-
( يمارس المجلس ( أي مجلس النواب ) الاختصاصات التشريعية الاتية :- اولا اصدار النظام الداخلي الخاص به . ثانيا :- ... ثالثا :- النظر في مشاريع القوانين المقترحة من مجلس الرئاسة او مجلس الوزراء ... . سادسا :- النظر في مشروعات القوانين المقترحة من قبل اعضاء المجلس ولجانه . )
فالنص لم يفرق بين ما تقدمة السلطة التشريعية وما تقدمه السلطة التنفيذية من ( مسودات القوانين ) وجمعهما تحت اسم واحد هو ( مشروعات القوانين ) واجاز تشريع القوانين بالاستناد اليهما ، بل ولم يفرق كثيرا في طرق واليات التعامل مع مشروع القانون المقترح من السلطة التنفيذية ومع مقترح القانون المقترح من السلطة التشريعية اذ نصت المادة ( 87 ) منه :- ( اولا :- لكل لجنة دائمة اقتراح القوانين ذات العلاقة باختصاصاتها وفقا للضوابط التي ينص عليها هذا النظام . ثانيا :- تتولى كل لجنة من اللجان الدائمة دراسة مشروعات القوانين واقتراحات القوانين المتعلقة باختصاصها وابداء الرأي فيها ... ) ونص في معظم مهام لجانه الدائمة على سلطتها في مقترحات القوانين ، ونصت المادة ( 112 ) منه :- ( اولا :- لكل لجنة حق اقتراح القوانين ، وتقدم اللجنة الاقتراح كتابة الى رئيس المجلس الذي يحيله بدوره الى اللجنة المختصة . ثانيا :- تقوم اللجنة المختصة بدراسة القانون واعادته الى الرئيس . ثالثا :- يحيل رئيس المجلس مشروع القانون الى اللجنة القانونية للمراجعة صياغته وتدقيقه وتطلب عرضه على مجلس النواب . ) .
ونصت المادة ( 120 ) منه :- ( يحق لعشرة من اعضاء المجلس اقتراح مشروعات القوانين الى رئيس مجلس النواب مصوغة في مواد تتضمن الاسباب الموجبة للقانون . ) ونصت المادة ( 122 ) :- (  يحيل رئيس مجلس النواب الاقتراحات في مشروعات القوانين الى اللجنة القانونية لدراستها واعداد تقرير عنها للمجلس ... )
ونصت المادة ( 128 ) :- ( يحيل رئيس مجلس النواب مشروعات القوانين المقدمة من السلطة التنفيذية الى اللجان المختصة لدراستها وابداء الرأي فيها قبل عرضها على المجلس لمناقشتها ... )
فمشاريع القوانين المقدمة من السلطة التنفيذية او مقترحات القوانين المقدمة من السلطة التشريعية كلها جميعا تودع الى رئيس مجلس النواب ليحيلها الى احد لجانه الدائمة لدراستها او تدقيقها او ابداء الرأي فيها ، ثم تودع الى مجلس النواب للنظر في تشريعها وفقا للاليات الدستورية المنصوص عليها في الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب .
فليس الا فرق بسيط بين اليات التعامل مع ( مشاريع القوانين ) و ( مقترحات القوانين ) في العملية التشريعية المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب ، فكلاهما يصلح للنظر في تشريعه كقانون دون ان يتوقف امر ( المقترح ) على ان يتحول ( مشروعا ) على يد السلطة التنفيذية . الا ان فهم المحكمة الاتحادية العليا نسف كل تلك الاحكام في النظام الداخلي لمجلس النواب وعدها غير دستورية بطريق غير مباشر .
 وبغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع التفسير الذي تبنته المحكمة الاتحادية العليا الموقرة ، اذ لا اهمية عملية لاختلافنا معها، لان احكامها ملزمة للسلطات كافة ، وهي الجهة المختصة في الحكم بعدم الدستورية وفي تفسير نصوص الدستور طبقا للمادتين ( 93 و94 ) من الدستور ، ولكن الاهمية تبدو هنا في انها انما كشفت عن عيب خطير في صياغة الدستور على حد تفسيرها لنصوصه ، اذ ان تفاصيله تتناقض تماما مع مبادئه العامة ، فهو اذ يقرر الاخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقتضي ان تنفرد كل سلطة بمارسة دورها ووظائفها دون تدخل السطات الاخرى ، الا انه يعود في التفاصيل فيرهن ممارسة السلطة التشريعية لاهم ادوارها ( التشريع ) بيد السلطة التنفيذية ، ويغل يدها عن ممارسة أي دور - ولو كان اقتراح القوانين او اعداد مشروعات القوانين - الا عن طريق السلطة التنفيذية حصرا .
والحقيقية ان الوضع الدستوري الذي استقر بتفسير المحكمة الاتحادية العليا في الحكمين المعلق عليهما انما يشكل وضعا دستوريا وسياسيا وقانونيا شاذا للاسباب الاتية :-
1-  ان الوضع المذكور يهدم الاساس الاول الذي بني عليه الدستور ، والمبدأ الرئيسي الذي بنيت عليه الانظمة الديمقراطية وهو ( مبدأ الفصل بين السلطات ) ، اذ تصبح العملية التشريعية بموجبه مرهونة بيد السلطة التنفيذية ، على خلاف ما يقتضيه ذلك المبدأ - كاصل عام - وهو انفراد السلطة التشريعية بالوظيفية التشريعية من خلال وضع القواعد القانونية المنظمة للنشاطات والسلوكيات في الدولة والمجتمع دون تدخل السلطتين التنفيذية والقضائية . فالراجح فقها بان اقتراح القوانين هو ليس الا جزء من العملية التشريعية ، لانه العمل الذي يشكل جوهر القانون ويؤسس لبنته الاولى ، بل انه القانون جنينا ، لذلك فانه من صميم الوظيفية الاصلية للسلطة التشريعية ، لذلك من غير المقبول القول بانه صلاحية تنحصر بالسلطة التنفيذية ، لان ذلك يعني رهن العمل التشريعي كله بيدها وتكون السلطة التشريعية سلطة عاجزة او سلطة تابعة وخاضعة للسلطة التنفيذية في احسن احوالها ، وبما ان اقتراح القوانين هو عمل تشريعي فانه من الاعمال الحصرية للسلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات ، ولكن انما اعطت الدساتير بضمنها دستور جمهورية العراق - سلطة اقتراح القوانين الى السلطة التنفيذية استثناءا بالاستناد الى مبادئ الفصل المرن بين السلطات باقرار اواصر واسس التعاون والتنسيق بين السلطات ، لكن ذلك لا يمكن ان يقبل بالطريقة التي جاء بها تفسير المحكمة الاتحادية العليا الموقرة لانه يعني انتزاع عمل تشريعي محض ( هو اقتراح القوانين ) من السلطة التشريعية بالكامل وايداعه الى سلطة اخرى غير مختصة به اصلا . اذ ان منح سلطة اقتراح القوانين للسلطة التنفيذية انما يقبل من باب الفصل المرن بين السلطات مع ابقاء السلطة الاصلية في اقتراح القوانين للسلطة التشريعية ، اما ان ينتزع الحق باقتراح القوانين من السلطة التشريعية بالكامل ليودع الى السلطة التنفيذية لتمارسه لوحدها فذلك يهدم النظام السياسي بالكامل ، حينما يغل يد ممثلي الشعب عن وظيفتهم الاساسية في تشريع القوانين الا عن طريق السلطة التنفيذية .     
2-  يكون تحريك العملية التشريعية متوقفا على ارادة السلطة التنفيذية ، فلا يستطيع مجلس النواب التحرك لاقرار أي تشريع الا اذا قدمت السلطة التنفيذية مشروعا ، واذا لم تقدم السلطة المذكورة مشروعا ما ، تعطل بالكامل عمل مجلس النواب في ميدان تشريع القوانين 
3-  لا تستطيع السلطة التشريعية اصدار أي قانون الا وفقا لرغبات السلطة التنفيذية ولو بعد رفع مشاريع القوانين اليها ، لان مشاريع القوانين اذا ما قدمت من السلطة التنفيذية الى السلطة التشريعية ( مجلس النواب ) للنظر في تشريعها ، فأنها تبقى تحت سيطرة السلطة التنفيذية عن طريق سلطاتها في سحب مشاريع القوانين وقتما تشاء ، فأذا وجدت بأن السلطة التشريعية اثناء النظر في مشروع القانون اخذت تعدل باحكامه بطريقة لا تتناسب مع ما تريد السلطة التنفيذية فانها ستقوم بسحب مشروع القانون ، ويتوقف بالتالي تشريعه ، وذلك يعني ان السلطة التنفيذية هي صاحبة القول الفصل في التشريعات وليس ممثلي الشعب في مجلس النواب ، فصوتها هو الذي يمرر القانون قبل التصويت عليه من ممثلي الشعب ، ولا يمكن لممثلي الشعب ان يصوتوا على مشروع قانون الا اذا شاءت السلطة التنفيذية .
4-  تصبح السلطة التنفيذية هي المتحكم في السلطتين التشريعية والقضائية ، لانها هي الجهة الوحيدة القادرة على اقتراح القوانين المتعلقة بتنظيمهما ، مثل القوانين المكملة للدستور المتعلقة بتشكيل السلطة التشريعية كقانون ( مجلس الاتحاد ) المنصوص عليه في المادة ( 65 ) من الدستور وقانون الانتخابات وقانون استبدال اعضاء مجلس النواب وغيرها ، وكذلك الوضع بالنسبة للقوانين المكملة للدستور المتعلقة بالسلطة القضائية ، كقانون السلطة القضائية وقانون المحكمة الاتحادية العليا وغيرها ، وهذا يعني تحكم السلطة التنفيذية بالسلطات الاخرى عن طريق امساكها بحق اقتراح مشاريع قوانينها والتمتع بسلطة سحب تلك المشاريع متى شاءت لتعطيل تشريعها اذا ما اتجهت الى غير ما ارادته وفق مشاريع القوانين المقدمة منها .
5-   تكون السلطة التنفيذية هي المتحكم في كل الجهات والمؤسسات والهيئات التي اعطاها الدستور استقلال عنها ( أي عن السلطة التنفيذية ) لضمان حيادها ومنع تأثير السلطة التنفيذية فيها او عليها ، اذ يكون لها ( أي للسلطة التنفيذية ) القول الفصل في قوانين الجهات المذكورة بضمنها المرتبطة بمجلس النواب كديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات ، بل ويكون لها القول الفصل في قوانين الهيئات المستقلة التي قد تقع رقابتها عليها مثل هيئة النزاهة ومفوضية حقوق الانسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والبنك المركزي العراقي ، وذلك اخطر ما يكون على فكرة الهيئات المستقلة التي حرص الدستور على اخراجها من سطوة السلطة التنفيذية فجعلها اما مستقلة بالكامل حتى عن مجلس النواب كهيئة النزاهة ومفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الانسان والبنك المركزي ، واما ربطها بمجلس النواب كديوان الراقبة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات .
6-  ان الوضع المبحوث يجعل السلطة التنفيذية اقوى السلطات والمسيطر الحقيقي على الدولة والمجتمع ، من خلال انفرادها بسلطة اقتراح القوانين ، اذ انها بواسطته تتحكم في جوانب العمل والتنظيم والمؤسسات بضمنها المؤسسات التشريعية والقضائية والمستقلة ، وقد ذهب الاستاذ روبيير كولار الى القول ( ان من يملك حق الاقتراح هو الذي يحكم ) للخطورة البالغة لحق اقترح القوانين باعتباره النواة التي يصنع بها القانون وتوضع بها اسسه وقواعده التي - نادرا جدا - ما تتغير بالكامل .

ولنا على تسبيب المحكمة الاتحادية العليا الموقرة في الحكمين الملاحظات الاتية :-
1-  انها ( أي المحكمة الموقرة ) بدأت اسانيدها لتسبيب حكميها بمبدأ الفصل بين السلطات ، والمقتضى الاساس لهذا المبدأ هو انفراد السلطة التشريعية بتشريع القوانين ، الا انها ناقضت - في النتيجة التي انتهت اليها - ما بدأت به حينما حصرت سلطة اقتراح مشاريع القوانين - وهو عمل تشريعي محض - بيد السلطة التنفيذية ، وانتزعته من السلطة التشريعية بالكامل - من الناحية العملية - الا تحت ما وصفته بـ ( المقترح الفكرة ) والتي اخضعتها لارادة السلطة التنفيذية في النهاية .
2-  انها ذهبت الى ان القوانين لا تصدر من مجلس النواب الا على ( مشروع قانون ) من السلطة التنفيذية ، ومشروع القانون اما ان يقترح من رئيس الجمهورية او مجلس الوزراء ، والغت القانونين لانهما لم يأتيا من احد الطريقين المذكورين ، وعلى فرض التسليم بصحة ذلك ، فأنه يلاحظ هنا ان احد الطريقين – الرئاسة - اصدر القانونين المذكورين ولم يمارس حقه في نقضهما ، أي انه تبنا القانونين بعد تشريعهما من مجلس النواب ، والمعروف بداهة ان ( المصادقة على القوانين وعدم نقضها ) من مجلس الرئاسة هو اجراء اقوى من ( اقتراح مشروع القانون ) من الرئاسة ، لان المصادقة تتضمن في مضمونها العام تبني القانون بصيغته النهائية و تتضمن – بداهة - تبنيه كمشروع قانون من باب اولى ، فلماذا تعتد المحكمة بسلامة القانونين اذا اقترح مشروعهما مجلس الرئاسة ولا تعتد بهما حينما ( يصادق عليهما ولا ينقضهما ) رغم ان التصرف الاخير ( المصادقة ) هو اقوى ويستوعب التصرف المطلوب ( الاقتراح ) .
3-  ذهبت المحكمة الموقرة الى ان ( مشروعات القوانين ) ينبغي ( ان تقدم من جهات ذات اختصاص في السلطة التنفيذية لتعلقها بالتزامات مالية وسياسية ودولية واجتماعية وان الذي يقوم بايفاء هذه الالتزامات هي السلطة التنفيذية وذلك حسبما نص عليه الدستور في المادة ( 80 ) منه ، وليست السلطة التشريعية ) ويصعب في الحقيقة القبول بهذا المعنى لان التزامات الدولة المالية والسياسية والاجتماعية والدولية لا تنفرد السلطة التنفيذية بالايفاء بها ، بل تشترك السلطات جميعا في ذلك ، فأدخال احكام الاتفاقات الدولية في النظام القانوني الوطني - هو التزام دولي وقد يتضمن التزامات قانونية ومالية واجتماعية واقتصادية ... الخ - لا تقوم به الا السلطة التشريعية من خلال التشريع ، بل ان الاتفاقيات الدولية لا قيمة لها رغم توقيع السلطة التنفيذية عليها الا اذا صادقت السلطة التشريعية على الاتفاقية وقبلت االتزام الدولة بها عن طريق قانون . ولا تسعف المادة ( 80 ) من الدستور ما ذهبت اليه المحكمة المحترمة مطلقا لانها نصت :- ( يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية :- اولا :- تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة والخطط العامة والاشراف على عمل الوزرات والجهات غير المرتبطة بوزارة . ثانيا :- اقتراح مشروعات القوانين . ... ) وذلك يعني ان ( اقترح مشروعات القوانين ) المنصوص عليه في البند ( ثانيا ) هو امر اخر غير ما نص عليه البند ( اولا ) وهو ( تنفيذ السياسة العامة للدولة ) ، ولا يقصد بالاخير قطعا - الا وظيفة السلطة التنفيذية الاصلية وهي ( تنفيذ القوانين ) ، ولا شأن لها بسلطة وضعها ( أي وضع القوانين ) التي يكون ( الاقتراح ) جزء منها واحد اجراءاتها المهمة ، ومن الوهم الربط بين ( وظيفة التنفيذ ) و ( وظيفة التشريع ) بما يجعل الثانية مقيدة بالاولى ، لان الصحيح هو تقييد التنفيذ بالقوانين وليس تقييد التشريع بالتنفيذ ، فيتوجب ان تخضع السلطة التنفيذية في ممارسة وظيفتها التنفيذية للقوانين ، ولا احد يقول بالعكس أي بخضوع السلطة التشريعية للسياسات والخطط التنفيذية حينما تمارس وظيفتها التشريعية ، وهذا ما فعلته المحكمة الاتحادية العليا في الحكمين محل البحث ، اذ ذهبت الى وجوب خضوع السلطة التشريعية الى سياسات وخطط السلطة التنفيذية التي يضغها مجلس الوزراء طبقا لنص المادة ( 80 ) من الدستور ، لذلك منعت اقتراح مشاريع القوانين الا من السلطة التنفيذية من اجل ربط ذلك بما تضعه السلطة التنفيذية من خطط وبرامج للتنفيذ . وذلك وضع معكوس قانونيا ودستوريا لان التنفيذ هو من يخضع ويسير خلف التشريع وليس العكس . وان ما قصدته المادة ( 80 ) من الدستور هو وضع الخطط والسياسات لتنفيذ القوانين فقط فهي امر تنفيذي محض لا شأن له بالتشريع كعملية دستورية ولا يصلح لتقييدها لانه شئ يقع بعدها ويتبعها زمنا ومضمونا وتوجهات .
4-  اصرت المحكمة الموقرة في اسبابها على ان القوانين يجب ان لا تصدر الا بناء على مشروع قانون تقدمه السلطة التنفيذية لتعلقه بالتزمات مالية ودولية واجتماعية و بوضع السياسة العامة للدولة حسب نص المادة ( 80 ) من الدستور ، واصرت على جعل ( مقترح القانون ) مجرد ( فكرة ) لابد ان يأخذ به رأي السلطة التنفيذية للسبب نفسه ، ويلاحظ ان السياسة العامة للدولة حسب نص المادة ( 80 ) يضعها مجلس الوزراء ولا يشارك الجناح الاخر للسلطة التنفيذية الرئيس او مجلس الرئاسة في وضعها ، في حين ان مشاريع القوانين قد تقدم من الرئاسة ، ولا تحتاج المشاريع التي تقدمها الرئاسة الى طلب رأي مجلس الوزراء ، وذلك قطعا يتعارض ما انتهت اليه المحكمة من وجوب اخذ رأي السلطة التنفيذية في مقترحات القوانين بالاستناد الى نص المادة ( 80 ) من الدستور ، لان المقصود بنص المادة ( 80 ) من الدستور هو مجلس الوزراء وليس السلطة التنفيذية .
5-  لم تقطع المحكمة صراحة بالجهة التنفيذية التي تودع اليها ( مقترحات القوانين – الفكرة ) لاعداد ( مشروع قانون ) بها ، فهل نودعها الى رئيس الجمهورية ام الى مجلس الوزراء ، الا انها اشارت ضمنا الى ان الجهة المقصودة هي ( مجلس الوزراء ) حينما استندت في تسبيب ذلك الى ان ذلك متعلق بالتزامات مالية ودولية واجتماعية وبالبرامج الحكومية وسياسة الدولة العامة التي توضع طبقا لنص المادة ( 80 ) من الدستور ، وبما ان نص المادة المذكور يخص مجلس الوزراء فذلك يعني ان مقترحات القوانين يجب ان تودع الى مجلس الوزراء حصرا .         
ولا تقف اهمية وخطورة حكمي المحكمة الاتحادية العليا المبحوثين عند هذا الحد لانهما جاءا باجتهاد اخر تعلق باسس ومبادئ الحكم بعدم الدستورية ، اذ ان المستقر هو ان الحكم بعدم دستورية القانون انما يكون حينما تخالف نصوص القانون حكم من احكام الدستور ، كأن يقضي القانون بشكيل محكمة خاصة فيكون واجبا الحكم بعدم دستورية ذلك النص لانه يخالف ما نص عليه الدستور بمنع انشاء المحاكم الخاصة ، أي ان الحكم بعدم دستورية قانون يكون بالاستناد الى عيب دستوري في داخل القانون ذاته أي عيب في نصوصه . الا ان المحكمة الاتحادية العليا الغت القانونين بموجب الحكمين محل البحث ليس لانهما خالفا في نص فيهما احكام او نصوص الدستور ، بل حكمت بعدم دستوريتهما لوجود خلل في اجراءات اصدار القانونين ، أي حكمت بعدم دستوريتهما بناء على عيب خارج القانونين وليس عيب فيهما ، اذ ان الخطأ في اجراءات اصدار القانون هي عيوب خارج القوانين وليس فيها ، فالمحكمة الاتحادية الموقرة لم تنسب أي مخالفة دستورية لنصوص القانونين فلم تقل ان نصا ما فيهما او كل نصوصهما مخالفة للدستور ، ولكنها ترى ان هناك خطأ في اجراءات اصدارهما . فالحقيقية ان المحكمة الاتحادية العليا لم تقض بعدم دستورية القانونين في الحكمين المبحوثين ، ولكنها قضت بعدم دستورية اجراءات اصدار القانونين، وهذان امران مختلفان تماما.
وهذا الاختلاف يرتب اختلاف جوهري اهم هو اختلاف اثار كل منهما ، اذ ان الاثر المترتب على الحكم بعدم دستورية نص قانوني وفقا للرأي المستقر هو عدم جواز تشريع مثل ذلك النص نهائيا ، ولا يمكن العودة الى اصداره مجددا لانه يتعارض مع الدستور بنصوصه ومضمونه ، اما الاثر المترتب على الاحكام الصادرة بعدم الدستورية وفقا للاجتهاد الجديد ( وهو الحكم بعدم الدستورية لوجود خطأ في اجراءات اصدار القانون ) فانه لا يترتب عليه منع اصدار القانون مجددا ، بل يصح اصداره مجددا ، ولكن بالطريقة الصحيحة لاصدار القوانين ، ذلك ان المحكمة الاتحادية - في الحقيقية - لم تقض بعدم دستوريته ، ولكنها قضت بعدم دستورية اجراءات اصداره . فليس من عيب دستوري في القانون ، ولكن هناك عيب دستوري خارجه فقط ، وهذا ( أي العيب ) قابل للرد عليه بما يجعله صحيحا .

                                                                                   القاضي
                                                                             رحيم حسن العكيلي
                                                                             رئيس هيئة النزاهة     























[1] - يعد نص المادة ( 60 / ثانيا ) من النصوص الدستورية المعيبة الصياغة ، لانه اجاز تقديم مقترحات القوانين عن طريق عشرة من اعضاء مجلس النواب او احدى لجانه المختصة ، وهذه تعطي دلالة قاطعة في وجوب ان يقدم المقترح من ( عشرة اعضاء ) لا اقل من ذلك ولا اكثر ، فاذا قدم مقترح القانون من اقل من عشرة اعضاء رفض ، وكذلك اذا قدم من اكثر من عشرة يجب رفضه اذا ما تمسكنا بحرفية النص، ولا شك ان القصد من حكم النص هو منع اقتراح القوانين بموافقة اقل من عشرة من اعضاء مجلس النواب ، ولم يكن القصد منه منع اقتراح القوانين بموافقة اكثر من عشرة اعضاء ، وكذلك لا يقصد من النص منع اقتراح القوانين عن طريق اكثر من لجنة برلمانية واحدة ، فكان ينبغي ان يصاغ النص بان مقترحات القوانين تقدم من ما لايقل عن عشرة من اعضاء مجلس النواب او واحدة او اكثر من لجانه المتخصصة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق