ايداع ضحايا الاغتصاب
في جحور الذئاب
توجب المادة ( 398 ) من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 ايقاف
تحريك الدعوى الجزائية ضد مغتصب الانثى – ولو كانت قاصرا - اذا عقد زواجه عليها بعد
اغتصابها ، وتوقف اجراءات التحقيق والمحاكمة بحقه، ويطلق سراحه من التوقيف حــــــــــالا
.
ويدافع مناصري هذا النص عنه بالقول انه يدفع عن المرأة المغتصبة القتل غسلا
للعار ، فلها ان تستر حالها وتتزوج مغتصبها ، وتخرجه من سجنه ، فتكون قد اختارت
اهون الشرين .
ويبدو هذا التبرير - لاول وهلة - مقبول جدا عند الكثيرين ، لانه حل يحمي المرأة
المغتصبة من قتلها – بظنهم - ويجعل لها مخرجا لانقاذ نفسها من الوضع الذي وضعتها
جريمة الاغتصاب به ، ويجنب ذويها وعشيرتها العار والاحراج والفضيحة ، كما انه حل
يراعي التقاليد والاعراف والقيم الاجتماعية .
لكن لو عرضنا هذا الحل على المنطق القانوني المتحضر لوجدناه يحمل كل الظلم
للمرأة الضحية ، وكل الاحجاف للمجتمع ، بل انه يهضم ابسط المبادئ الانسانية ،
ويهدر حكم القانون وفلسفة العقاب فيه ، وفق الايضاحات الاتية :-
1- ان التقاليد والاعراف والقيم الاجتماعية التي يراعيها
النص محل البحث والتي تتجنبها المرأة المغتصبة عن طريق القبول – مجبرة - بالزواج
من مغتصبها هي :- ان ذويها سوف يقتلونها غسلا للعار اذا لم تستر نفسها بذلك
الزواج ، فهل قتل المرأة المغتصبة غسلا
للعار تقليد او عرف اجتماعي يستحق احترامه او يستحق مراعاته ؟؟؟
وهل من حق القوانين ان
تراعي مثل تلك التقاليد والقيم غير الانسانية ، وهل يعقل ان تلاحظ القوانين اعراف
وتقاليد القتل ؟ واي قتل ؟ قتل الضحية ؟ فهل يعقل ان يقوم مجتمع ( منصف ) بقتل
انثى كانت ضحية جريمة اغتصاب ؟ فهي مجنى عليها في جريمة اغتصاب ثم تكون مكافئتها
بان تكون مجنى عليها في جريمة ابشع هي جريمة قتل النفس البرئية التي حرم الله ان
تقتل ( واذا الموؤدة سألت ، باي ذنب قتلت ؟ ) .
2- ولو قبلنا جدلا بان الحل محل البحث يمكن الضحية من
اختيار اهون الشرين ( القتل او الزواج من الجاني ) ، فهل الزواج من الجاني هو حل
افضل من القتل بالنسبة للمرأة المغتصبة ؟ اليس زواج المغتصبة ممن اعتدى عليها هو
ايداع لها في جحر الذئب ، فاي زواج واي اسرة سوف تقوم بهذا الزواج ؟ لاشك انها ستكون ضحية في بيت العنكبوت . ولا
ينتظر من القانون ان يبني بيوتا واسر علاقاتها اوهن من خيوط بيوت العنكبوت .
3- يفترض بالقانون ان يحمي الضحية ويعمل على معالجتها
واعادة ادماجها في المجتمع ويراعي ظروفها النفسية المعقدة بعد وقوع انتهاك جنسي
خطير عليها ، ولا ينتظر منه ان يحمي الجاني ويجد له المخارج للافلات من العقاب ،
على حساب حياة الضحية ، كما لا يتنظر منه ان يراعي قيم وتقاليد قتل الضحايا ، عن
طريق مسايرتها ، بل يتنظر منه ان يضرب عليها بيد من حديد ، فهل هناك سلوك ابشع من
قتل ضحية مستضعفة ومنتهكة بحجة غسل العار ؟
4- ان الحل الذي جاء به النص المبحوث نابع من النظرة
البدائية المتهالكة التي تربط الشرف بجسد المرأة ، وما يتبعه من تعتيم وتغطية على
الانتهاكات التي تقع على النساء بحجج العار والفضيحة ، وما يلحقه من ظلم مزدوج لهن
حينما يكن ضحايا مرتين لجريمتين احدهما ابشع من الاخرى .
5- ان الحل محل البحث انما يشجع على جرائم الاغتصاب واللواط
وهتك العرض ، لانه يمني الجناة بسراب الخلاص ، ما داموا لهم مخرج بالافلات من
العقاب بالزواج من المجنى عليها ، هذا اذا تجرأت الضحية واخبرت عن الاعتداء عليها
، فهو ( اي الجاني ) له فرصة كبيرة للافلات بفعلته حينما تتجنب الضحية الاعلان عن
الاعتداء عليها خوفا من العار الفضيحة او خوفا من القتل ، وله فرصة اخرى للافلات
بفعلته حينما يمنحه القانون فرصة الخلاص بحل الزواج . فهذا النص القانوني شكل من
اشكال ( الافلات من العقاب ) الذي تدعو المنظمات الدولية - وعلى رأسها الامم
المتحدة - الى وجوب الوقوف بوجهه بحزم
وايقافه بكل الوسائل والمعالجات .
6- ان
الحل القانوني المبحوث يكافئ الجاني على جريمته بدل من معاقبته ، فهو يعفيه من
العقاب عن جريمة بشعة ارتكبها بحق انثى عرض حياتها - بنزوته حيوانية - للخطر
واحتمالات القتل غسلا للعار ، ثم لا يكتفي النص القانوني بتخليصه من العقاب ،
ولكنه يعطيه عروسا !!! فهل هناك اظلم من هذا الحل ؟
ولعل مفيدا ان نشير هنا بان
النص يواجه صعوبات ومشاكل تطبيقية في فروض كثيرة منها فرض اغتصاب القاصر دون سن
الزواج او التي لازال رحمها رحم طفلة ، وفرض اغتصاب الانثى من عدد من الاشخاص ،
فمن يتزوجها منهم خصوصا اذا كانت حاملا ؟ كما يستحيل تطبيق النص في فروض اخرى منها
اغتصاب المحارم واغتصاب المتزوجات .
عموما ان القيم البالية
المتهالكة التي يراعيها هذا الحل القانوني الظالم
لا تستحق ان تحترم ومن واجب القوانين محاربتها والعمل لانهائها ، وانما
تكون القوانين افضل اساليب تغيير قيم المجتمع وتقاليده خصوصا قيم انتهاك انسانية
النساء وقتلهن بلا ذنب .
وانا – مثل اي اب اخر – نرفض ان يفلت مغتصبي
بناتنا بفعلته ثم نكافئة بتزويجة منها لترحل معه الى وكر الذئب ، فالضحية تنتظر
منا ان نضعها بيد امينة بدل ان نرسل لحضن الذئب .
ان المرأة تغتال بهذ الحل
مرتين ، مرة حين اغتصابها ، واخرى حين تزويجها من المغتصب ، فلا مصلحة لها في هذا
الزواج ولا كرامة ولا امان ، فليس هذا الزواج - بالنسبة اليها - الا اغتصاب متكرر
، لانها تزوج من رجل عديم المسؤولية ، وهو اذ اغتصب مرة ، فافلت بفعلته ، فاحتمال
تكراره الامر باخرى وارد جدا ، مما يشكل خطر كبير على امن المجتمع .
لذا ندعو الى الغاء هذا
النص الظالم ، وتشديد العقاب على كل من يقتل انثى تعرضت لاعتداء جنسي ، من اجل
انصاف ضحايا الاعتداءات الجنسية من النساء ، وايقاف ثقافة القتل والعنف ضد المرأة
، وانهاء التقاليد والقيم المتهالكة التي
تظلم الجنس الذي وصفه الرسول الكريم ( ص ) بـ ( القوارير ) واوصى بالرفق به
، فأذا بنا ننزل به اشد اصناف الجور والقهر بمثل تلك الحلول القانونية المجحفة .
القاضي
رحيم حسن العكيلي
7 / 7 / 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق