الخميس، 22 مارس 2018


ايداع ضحايا الاغتصاب
 في جحور الذئاب
توجب المادة ( 398 ) من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 ايقاف تحريك الدعوى الجزائية ضد مغتصب الانثى – ولو كانت قاصرا - اذا عقد زواجه عليها بعد اغتصابها ، وتوقف اجراءات التحقيق والمحاكمة بحقه، ويطلق سراحه من التوقيف حــــــــــالا .
ويدافع مناصري هذا النص عنه بالقول انه يدفع عن المرأة المغتصبة القتل غسلا للعار ، فلها ان تستر حالها وتتزوج مغتصبها ، وتخرجه من سجنه ، فتكون قد اختارت اهون الشرين .
ويبدو هذا التبرير - لاول وهلة -  مقبول جدا عند الكثيرين ، لانه حل يحمي المرأة المغتصبة من قتلها – بظنهم - ويجعل لها مخرجا لانقاذ نفسها من الوضع الذي وضعتها جريمة الاغتصاب به ، ويجنب ذويها وعشيرتها العار والاحراج والفضيحة ، كما انه حل يراعي التقاليد والاعراف والقيم الاجتماعية .
لكن لو عرضنا هذا الحل على المنطق القانوني المتحضر لوجدناه يحمل كل الظلم للمرأة الضحية ، وكل الاحجاف للمجتمع ، بل انه يهضم ابسط المبادئ الانسانية ، ويهدر حكم القانون وفلسفة العقاب فيه ، وفق الايضاحات الاتية :-
1-    ان التقاليد والاعراف والقيم الاجتماعية التي يراعيها النص محل البحث والتي تتجنبها المرأة المغتصبة عن طريق القبول – مجبرة - بالزواج من مغتصبها هي :- ان ذويها سوف يقتلونها غسلا للعار اذا لم تستر نفسها بذلك الزواج  ، فهل قتل المرأة المغتصبة غسلا للعار تقليد او عرف اجتماعي يستحق احترامه او يستحق مراعاته ؟؟؟
وهل من حق القوانين ان تراعي مثل تلك التقاليد والقيم غير الانسانية ، وهل يعقل ان تلاحظ القوانين اعراف وتقاليد القتل ؟ واي قتل ؟ قتل الضحية ؟ فهل يعقل ان يقوم مجتمع ( منصف ) بقتل انثى كانت ضحية جريمة اغتصاب ؟ فهي مجنى عليها في جريمة اغتصاب ثم تكون مكافئتها بان تكون مجنى عليها في جريمة ابشع هي جريمة قتل النفس البرئية التي حرم الله ان تقتل ( واذا الموؤدة سألت ، باي ذنب قتلت ؟ ) .
2-    ولو قبلنا جدلا بان الحل محل البحث يمكن الضحية من اختيار اهون الشرين ( القتل او الزواج من الجاني ) ، فهل الزواج من الجاني هو حل افضل من القتل بالنسبة للمرأة المغتصبة ؟ اليس زواج المغتصبة ممن اعتدى عليها هو ايداع لها في جحر الذئب ، فاي زواج واي اسرة سوف تقوم بهذا الزواج  ؟ لاشك انها ستكون ضحية في بيت العنكبوت . ولا ينتظر من القانون ان يبني بيوتا واسر علاقاتها اوهن من خيوط بيوت العنكبوت .
3-    يفترض بالقانون ان يحمي الضحية ويعمل على معالجتها واعادة ادماجها في المجتمع ويراعي ظروفها النفسية المعقدة بعد وقوع انتهاك جنسي خطير عليها ، ولا ينتظر منه ان يحمي الجاني ويجد له المخارج للافلات من العقاب ، على حساب حياة الضحية ، كما لا يتنظر منه ان يراعي قيم وتقاليد قتل الضحايا ، عن طريق مسايرتها ، بل يتنظر منه ان يضرب عليها بيد من حديد ، فهل هناك سلوك ابشع من قتل ضحية مستضعفة ومنتهكة بحجة غسل العار ؟
4-    ان الحل الذي جاء به النص المبحوث نابع من النظرة البدائية المتهالكة التي تربط الشرف بجسد المرأة ، وما يتبعه من تعتيم وتغطية على الانتهاكات التي تقع على النساء بحجج العار والفضيحة ، وما يلحقه من ظلم مزدوج لهن حينما يكن ضحايا مرتين لجريمتين احدهما ابشع من الاخرى .
5-    ان الحل محل البحث انما يشجع على جرائم الاغتصاب واللواط وهتك العرض ، لانه يمني الجناة بسراب الخلاص ، ما داموا لهم مخرج بالافلات من العقاب بالزواج من المجنى عليها ، هذا اذا تجرأت الضحية واخبرت عن الاعتداء عليها ، فهو ( اي الجاني ) له فرصة كبيرة للافلات بفعلته حينما تتجنب الضحية الاعلان عن الاعتداء عليها خوفا من العار الفضيحة او خوفا من القتل ، وله فرصة اخرى للافلات بفعلته حينما يمنحه القانون فرصة الخلاص بحل الزواج . فهذا النص القانوني شكل من اشكال ( الافلات من العقاب ) الذي تدعو المنظمات الدولية - وعلى رأسها الامم المتحدة -  الى وجوب الوقوف بوجهه بحزم وايقافه بكل الوسائل والمعالجات .
6-     ان الحل القانوني المبحوث يكافئ الجاني على جريمته بدل من معاقبته ، فهو يعفيه من العقاب عن جريمة بشعة ارتكبها بحق انثى عرض حياتها - بنزوته حيوانية - للخطر واحتمالات القتل غسلا للعار ، ثم لا يكتفي النص القانوني بتخليصه من العقاب ، ولكنه يعطيه عروسا !!! فهل هناك اظلم من هذا الحل ؟
ولعل مفيدا ان نشير هنا بان النص يواجه صعوبات ومشاكل تطبيقية في فروض كثيرة منها فرض اغتصاب القاصر دون سن الزواج او التي لازال رحمها رحم طفلة ، وفرض اغتصاب الانثى من عدد من الاشخاص ، فمن يتزوجها منهم خصوصا اذا كانت حاملا ؟ كما يستحيل تطبيق النص في فروض اخرى منها اغتصاب المحارم واغتصاب المتزوجات .
عموما ان القيم البالية المتهالكة التي يراعيها هذا الحل القانوني الظالم  لا تستحق ان تحترم ومن واجب القوانين محاربتها والعمل لانهائها ، وانما تكون القوانين افضل اساليب تغيير قيم المجتمع وتقاليده خصوصا قيم انتهاك انسانية النساء وقتلهن بلا ذنب .
 وانا – مثل اي اب اخر – نرفض ان يفلت مغتصبي بناتنا بفعلته ثم نكافئة بتزويجة منها لترحل معه الى وكر الذئب ، فالضحية تنتظر منا ان نضعها بيد امينة بدل ان نرسل لحضن الذئب .
ان المرأة تغتال بهذ الحل مرتين ، مرة حين اغتصابها ، واخرى حين تزويجها من المغتصب ، فلا مصلحة لها في هذا الزواج ولا كرامة ولا امان ، فليس هذا الزواج - بالنسبة اليها - الا اغتصاب متكرر ، لانها تزوج من رجل عديم المسؤولية ، وهو اذ اغتصب مرة ، فافلت بفعلته ، فاحتمال تكراره الامر باخرى وارد جدا ، مما يشكل خطر كبير على امن المجتمع .
لذا ندعو الى الغاء هذا النص الظالم ، وتشديد العقاب على كل من يقتل انثى تعرضت لاعتداء جنسي ، من اجل انصاف ضحايا الاعتداءات الجنسية من النساء ، وايقاف ثقافة القتل والعنف ضد المرأة ، وانهاء التقاليد والقيم المتهالكة التي  تظلم الجنس الذي وصفه الرسول الكريم ( ص ) بـ ( القوارير ) واوصى بالرفق به ، فأذا بنا ننزل به اشد اصناف الجور والقهر بمثل تلك الحلول القانونية المجحفة .

                                                                                                    القاضي
                                                                                             رحيم حسن العكيلي
                                                                                               7 / 7 / 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق