الخميس، 22 مارس 2018


تعليق على قرار :-تفسير الدستور ام تعديله
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا بالعدد 25/اتحادية/اعلام/2016 في 5/4/2016 قرار تفسيريا استنادا للمادة(93/ثانيا) من الدستور جوابا على استفسار رئيس مجلس الوزراء المتضمن سؤاله عن:(جواز قيام مجلس النواب بالتصويت في قرار واحد يصدر عنه بالموافقة على اقالة الوزير مقترنا في الوقت ذاته بالموافقة على تعيين بديل عنه،بناء على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء وهل يشترط بيان اسباب الاقالة من عدمه ) .
مضمون القرار :-
تقول المحكمة الموقرة :- (حيث ان المادة ( 78 ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد خولت رئيس مجلس الوزراء حق اقالة الوزير بموافقة مجلس النواب ،وحيث ان هذا النص جاء مطلقا في ممارسة هذا الحق ولم تشترط على رئيس مجلس الوزراء ذكر اسباب طلب اقالة الوزير باعتبار ان رئيس مجلس الوزراء وبموجب النص الدستوري المتقدم ذكره هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسات العامة للدولة . وبصدد التساؤول عن جواز قيام مجلس النواب بالتصويت في قرار واحد يصدر عن المجلس بالموافقة على اقالة الوزير المعني مقترنا في الوقت ذاته بالموافقة على تعيين وزير بديل له،فتجد المحكمة الاتحادية العليا من استعراض نصوص الدستور الواردة في هذا المجال عدم وجود نص يحول دون ذلك بل ان متطلبات حسن سير العمل في مجلس الوزراء لتنفيذ السياسة العامة للدولة تتطلب ذلك بأن يكون قرار مجلس النواب باقالة الوزير المعني مقترنا بتعيين الوزير البديل .) انتهى القرار .
المبدأ التفسيري من القرار:-
فالمحكمة جاءت من خلال هذا القرار بمبدأين تفسيريين هما :-
1- ان رئيس مجلس الوزراء غير ملزم بتسبيب اقالة الوزير اذا ما مارس سلطته المنصوص عليها في المادة ( 87 ) من الدستور .
2- يجوز اقالة وزير وتنصيب اخر محله بقرار واحد من مجلس النواب . وهذا يرتب اثرين خطيرين:-
أ- يمكن اصدار قرار اقالة وزير وتعيين بديله بقرار واحد يتم تمريره كصفقة واحدة معا،لانه يمر بتصويت موحد، وليس تصوتين احدهما لاقالة الوزير الحالي والثاني لتنصيب الوزير الجديد.
ب-اجازة ترشيح بديل عن وزير لم يقال لحد الان او لم تكتمل متطلبات اقالته الاجرائية .
اشكالات القرار التفسيري :-
ويثير هذا القرار اشكالات متعددة  منها:-
1- مدى اختصاص المحكمة الاتحادية الحالية في تفسير الدستور رغم انه(اي تفسير الدستور) غير منصوص عليه في قانون تشكيلها رقم 30 لسنة 2005 الذي تعمل بموجبه حاليا.
2- ما معنى تفسير الدستور؟ فهل هو ايضاح معنى نص دستوري فقط؟ اما انه يعطي للمحكمة سلطة المجئ باحكام لا ينص عليها الدستور كما فعلت حينما جاءت بمبدأ جواز اقالة الوزير وتعيين بديله بقرار واحد وما يترتب عليه من جواز قبول ترشيح بديل لوزير لم يقال بعد ؟
3-هل يقبل ان يكون اقالة موظف كبير كالوزير غير مسببه رغم ان الاقالة خاضعة لتصويت مجلس النواب؟ فعلى ماذا يصوت مجلس النواب اذا لم يكن مدركا لاسباب الاقالة ؟ وهل يجوز فقها اصدار قرار مساءلة بمستوى اقالة وزير دون تسبيب ؟ وهل يصح تسهيل اقالة الوزير من قبل رئيس مجلس الوزراء بهذه الطريقة التي تجعل من الوزراء خاضعين وضعفاء امام رئيس الوزراء في مجلس يفترض فيه ان يكون القرار جماعيا الذي يتطلب ان يكون اعضائه متعادلين بالقوة ليتمكنوا من القول بارائهم وان لا يسلط احدهم على الاخرين لمنع اخضاعهم بسلاح اقالتهم غير المسبب .
4-ما هو الاساس القانوني لجمع اقالة وزير وتعيين بديله بتصويت موحد  كصفقة واحدة ؟ وما هي المضامين السياسية لهذا الاجتهاد ؟؟؟
مناقشة الاشكالات :-
اولا :- اختصاص المحكمة الاتحادية في تفسير الدستور :-
شكلت المحكمة الاتحادية العليا الحالية استنادا للمادة ( ) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بموجب امر مجلس الوزراء المؤقت رقم 30 لسنة 2005 وحددت اختصاصاتها بموجب المادة ( 4) منه التي نصت :-
( تتولى المحكمة الاتحادية العليا المهام التالية : -
اولا – الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية .
ثانيا – الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والانظمة والتعليمات والاوامر الصادرة من اية جهة تملك حق اصدارها والغاء التي تتعارض منها مع احكام  قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة او جهة رسمية او من مدع ذي مصلحة .
ثالثا – النظر في الطعون المقدمة على الاحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الاداري .
رابعا – النظر بالدعاوى المقامة امامها بصفة استئنافية وينظم اختصاصها بقانون اتحادي . )
وليس من بين تلك الاختصاصات تفسير الدستور،انما جاء اختصاص تفسير الدستور في المادة ( 93 / ثانيا ) من الدستور الحالي الذي نص في المادة (92 ) منه على وجوب تشكيل محكمة اتحادية عليا غير هذه المحكمة القائمة حاليا بموجب قانون يسن باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب لكنه لم يسن لحد الان.
وذهبت المحكمة الاتحادية العليا الحالية في تحديد اختصاصها وفقا لما نص عليه الدستور الحالي،اي انها تركت اختصاصها المنصوص عليها في قانونها رقم 30 لسنة 2005 واحلت محله الاختصاصاصات المنصوص عليها في الدستور الحالي ، بلا نص دستوري او قانوني يجيز لها ذلك،اي انها تتقمص دور المحكمة الاتحادية العليا التي نص الدستور الحالي على تشكيلها بقانون يسن باغلبية الثلثين،رغم انها ليست تلك المحكمة، وليس لديها اي نص في الدستور او في القوانين يجعلها تحل محل المحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليها في الدستور الحالي او يجيز لها ان تتقمص دورها .
وعموما فأن من قال بشرعية عمل المحكمة الاتحادية العليا الحالية فانه انما يستند الى قول الدستور الحالي في المادة( 130 )منه بان( تبقى التشريعات النافذة معمولا بها،ما لم تلغ او تعدل وفقا لاحكام الدستور )وبما ان المحكمة الحالية تستند الى قانونها رقم 30 لسنة 2005 الذي لم يلغ ولم يعدل فيكون هو السند القانوني لعملها حتى يلغ او يعدل ،اي ان السند القانوني الوحيد لعمل المحكمة الاتحادية العليا الحالية هو قانونها المرقم 30 لسنة 2005 والذي جاء خاليا من منحها الاختصاص بتفسير الدستور .
فأن قبلنا القول بشرعية عمل المحكمة الاتحادية العليا الحالية استنادا للقانون رقم 30 لسنة 2005 ... فأنه من غير المقبول منها ان تمارس اختصاصا لا يعطيه اياها ذلك القانون.
ولا يمكن القبول بالقول بان الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور الحالي- المتضمنة اختصاص تفسير الدستور - هي اختصاصات المحكمة الاتحادية الحالية ، لان الدستور نص على تشكيل محكمة اخرى غير هذه المحكمة ،ومنحها تلك الاختصاصات ،ولا يمكن لمحكمة اخرى غير المحكمة التي نص عليها الدستور ان تتقمص دورها وتمارس اختصاصاتها بغير تفويض ينبغى اصداره بموجب القانون الذي نص الدستور العراقي على سنه باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب لتشكيل المحكمة وترتيب اوضاعها .
لذا فأن قرارات تفسير الدستور الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا الحالية هو قرارات خارج اختصاصاتها، والقرار الصادر خارج قواعد الاختصاص قرار منعدم لا يرتب اي اثر يذكر .
ثانيا :- معنى تفسير الدستور :-
لو سلمنا جدلا بان المحكمة الاتحادية العليا تختص بتفسير الدستور الحالي وان لها ان تتقمص دور المحكمة الاتحادية العليا لحين تشكيلها ، فما هو تفسير الدستور وما هي حدوده ؟؟
التفسير لغة هو الابانة والكشف واظهار المعنى، فهو يبحث في كيفية فهم النصوص ومدلولاتها، اي ان التفسير مرتبط بنص ،فيكون واجب المحكمة حين ممارسة دورها في التفسير منصبا على نص ما، فتقوم بالكشف عن معناه وتعين في فهمه وتحديد مدلوله فقط .
وبالالي فان التفسير الدستوري يتوجب ان ينصب على نص دستوري ،ويقتصر على معاني ومدلولات الفاظه وفحواه ، دون ان يتجاوزها،وبالتالي لا يجوز للمحكمة بحجة تفسير الدستور ان :-
1- تجيب على اسئلة دستورية لا تنتمي الى نص دستوري معين، ولا تتضمن تحديد لمعنى الفاظ محددة في نص دستوري ما، لان التفسير مرتبط بالنصوص ولا يمكن ممارسته دون ان يرتبط بنص محدد.
2- الاتيان باليات او قواعد لم يرد فيها نص دستوري.
في حين ان المحكمة الاتحادية العليا في القرار المبحوث مارست تفسيرا غير متصل بنص دستوري معين حينما اجازت بقرار واحد وبتصويت موحد اقالة الوزير وتعيين بديله.
فاي نص فسرته المحكمة الاتحادية حينما قالت بذلك؟؟ الجواب لا وجود لنص دستوري يتحدث عن ذلك لا صراحة ولا ضمنا .
ان المحكمة هنا مارست- في الحقيقة - دور علويا فوق مجلس النواب ففرضت عليه احكام وقواعد واليات لم يأت بها الدستور، وهذا ليس من مهام المحكمة ولا من صلاحياتها خصوصا وان هذا الموضوع امر تركه الدستور دون تنظيم،وبالتالي يكون لمجلس النواب لوحده سلطة البت في الياته،اما من خلال نظامه الداخلي،او من خلال اعراف يستقر عليها ،وليس للمحكمة الاتحادية العليا ان تفرض عليه ما لا يفرض عليه الدستور، لان ذلك تعد على مبادئ الفصل بين السلطات وتجاوز على اختصاصات المحكمة .
ان المحكمة الاتحادية العليا حينما تأتي باحكام من عندها لا ينص عليها الدستور فأنها لا تمارس تفسيرا للدستور بل انها تمارس صلاحية انشاء او خلق نصوص دستورية جديدة ، وهذا حلول لارادة المحكمة محل ارادة الشعب مصدر الدستور والسلطات .
لقد مر ممارسة المحكمة هذا الدور مرور الكرام لان الاعتقاد بان بالمبدأ الذي جاءت به المحكمة بجواز التصويت على اقالة وزير وتعيين اخر بقرار واحد وتصويت موحد وصفقة واحدة ، ليس بامر خطير ، لكنه الخطورة تمكن فيما يأتي:-
1-خروج المحكمة عن اختصاصها ، وممارستها لدور لا يمنحه اياها لا الدستور ولا القانون .
2- الاتيان باحكام جديدة لا يتضمنها الدستور،وهو امر لا تملكه المحكمة الاتحادية،لان الدستور مصدره الشعب وليس المحكمة الاتحادية العليا .
3- ان المحكمة هنا ستمارس دورا مزاجيا وعلويا على السلطات الاخرى يجعلها تفرض ما تريد دون نص دستوري محدد.
4-اهدار مبدأ الفصل بين السلطات، ان ملئ الفجوات التي تركها الدستور في النظام القانوني انما يكون اختصاص ملئها للسلطة التشريعية من خلال القوانين التي يصدرها ممثلي الشعب وليس للمحكمة الاتحادية ان تمارس هذا الدور لانه دور اقرب للتشريع الدستري والقانوني منها الى دور تفسيري او قضائي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق