الخميس، 22 مارس 2018


الفساد في تمديد العقود الحكومية
                                                                                          
تبرم مؤسسات ووزارات الدولة عقودها مع كيانات القطاع الخاص – شركات واشخاص ومؤسسات وغيرها - لتنفيذ مشاريعها خلال مدة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان ، فأذا عجز المقاول عن التنفيذ في المدة المتفق عليها وجب فرض غرامات تأخيرية عليه لحين اتمامه المشروع ، فأذا بلغت المدة التأخيرية ( 25% ) من مدة العقد  ، وجب  سحب العمل منه وعده ناكلا ومطالبته بالغرامات التأخيرية ومصادرة كفالة حسن التنفيذ ، الا ان الذي يحصل – غالبا – هو تمديد العقود واعفاء المقاول من الغرامات التأخيرية .
وتجد – من جهة - ان معظم عقود الدولة – حاليا – متلكأة او غير منفذة في المواعيد المتفق عليها ، ومن جهة اخرى – تجد ان الجهات الحكومية المعنية مددت العقود واعفت المقاول من الغرامات التأخيرية .
فما هو السر وراء المبالغة في تمديد العقود الحكومية لمصلحة المقاولين المتلكئين ، رغم وجود عدد كبير من مشاريع الدولة المعطلة والمتلكئة ؟
ان السر – ببساطة - هو الفساد ، فأما ان يتقاضي صاحب القرار في الوزراة او الجهة الحكومية المعنية ، هو ، او بعض المحيطين به رشاوى في مقابل تمديد العقود ، واما ان تكون الشركات او المقاولين من المتنفذين ولهم سلطة التأثير على اصحاب القرار لتمديد العقد ، فبعض الشركات قد تعود لمتنفذين سياسيين او تسندها جهات او احزاب او شخصيات سياسية متنفذة او مليشيات تحكم بقوة السلاح ، بل ان بعضها تعود بطريق او باخر الى اصحاب القرار انفسهم ، فأذا تخلفت عن التنفيذ في الوقت المتفق عليه مددت لها مدة العقد .
ولكن ذلك لا ينفي وجود حالات تستند الى اسباب صحيحة وحقيقية للتمديد ، ولكنها محدودة بل نادرة .
ان اثار خطيرة تترتب على ظاهرة المبالغة في تمديد العقود للمقاولين المتلكئين اهمها :-
1-      عدم الانجاز :- اذ ان تمديد العقود يؤدي الى انعدام او ضعف الانجاز على ارض الواقع ، ما دامت معظم عقود المشاريع ممددة . وهذا ما حصل فعليا في الاعوام القليلة الماضية لحد الان .
2-      تراخي المقاولين في تنفيذ العقود :- وهذا هو اخطر اثار هذا النهج الخاطئ ، فأذا ايقن المقاول او الشركة بان هناك - دائما - فرصة للترطيب مع الجهات الحكومية واستحصال قرار بتمديد مدة العقد ، فأن ذلك مدعاة لتراخي المقاولين والشركات عن الانجاز في المواعيد المحددة ، وعدم اكتراثهم او اهتمامهم بانجاز المشروع في الوقت المتفق عليه . في حين يتوجب التشدد التام في موضوع تمديد العقود ، لان ذلك دافع بالغ الاهمية للشركات والمقاولين لحثهم من اجل السعي لتنفيذ المشاريع المحالة بعهدتهم في الوقت المتفق عليه .
3-      التحايل على قواعد التنافس :- اذ ان احد معايير المفاضلة بين مقدمي العطاءات لمناقصات العقود العامة هو وقت التنفيذ ، فقد يحال العقد الى الشركة او المقاول لانه عرض انجاز المشروع بوقت اقل من غيره ، فأذا مددت له مدة العقد لاحقا ، فذلك تحايل واضح على اصول وقواعد المنافسة التامة المشروعة .
4-      الاستفادة غير المشروعة من اموال الدولة  :- فقد تمنح الجهة الحكومية سلف مقدمة للمقاولين او الشركات ، وهي بمبالغ كبيرة تصل الى مئات المليارات من الدنانير في بعض العقود ، وقد يكون تمديد العقد وسيلة لاستمرار استفادة الشركة او المقاول من المتاجرة او المضاربة بهذه الاموال بلا وجه حق .
5-      فتح باب المساومة والرشاوى :- ان الصلاحية المطلقة غير المنضبطة بقواعد ومعايير الممنوحة للجهات الحكومية في تمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية هو باب واسع من ابواب الفساد ، لانه يفتح الطريق لمساومة الشركات او المقاولين لاخذ رشاوى منهم في مقابل تمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية على حساب المصلحة العامة .
6-      ضياع حقوق الدولة في ارباح المشاريع المفترضة :- فأذا نفذ المشروع - الذي ينظر منه تحقيق ارباح معينة - في المدة المتفق عليها ، فأنه سيدر ارباحا على الدولة ، مثل المشاريع السياحية او الصحية وكل ما يتصور منه موارد مالية منتظمة ، اما اذا تراخي تنفيذ المشروع فأن فرصة الدولة في الحصول على ارباحها تتراخى للمدة التي يتأخر فيها الشركة او المقاول عن اتمامه ، مما يهدر حقوقا عامة قد تصل لمئات المليارات .  
7-      تضرر المواطن :- اذ ان معظم المشاريع انما تقدم خدمات حقيقية للمواطنين ، واتمامها في الوقت المتفق عليه يضمن وصول الخدمات اليهم في وقت مقبول ، الا ان تمديد العقود يؤخر وصول تلك الخدمات ، ويلحق بالمواطنين اضرار فادحة ، يضاف اليها تحملهم الاوضاع غير المستقرة التي قد تفرضها بعض المشاريع الخدمية كالانقاض وحفر الشوارع واغلاقها ، وما يترتب عنها من اوضاع طارئة وغير طبيعية ، وكل ذلك يشكل عبء كبير عليهم لفرضه ظروف حياتية وبيئية غير مناسبة .
8-      ضياع حق الدولة في الغرامات التأخيرية وكفالات حسن التنفيذ :- فتمديد العقود واعفاء الشركة او المقاول من الغرامات التأخيرية يلحق ضرر كبير بحقوق الخزينة العامة بمبالغ كبيرة ، تستحقها وفقا لاحكام العقد والقانون .
9-      فقدان ثقة الناس بالحكومة :- ان عدم الانجاز او الاخفاق في تنفيذ المشاريع في مواعيدها ، يخلق هوة كبيرة من عدم الثقة بين الناس والمؤسسات الحكومية .  
ان تمديد مدد العقود الحكومية كان واحدا من اهم اسباب عدم ظهور انجازات مادية واضحة للخدمات الحكومية خلال الفترة التي تلت عام 2003 رغم المبالغ الكبيرة التي انفقت ، فهناك اعداد كبيرة من المشاريع متأخرة عن مواعيد انجازها بمدد كبيرة ، تصل احيانا الى ثلاث سنوات ، بل تجد – احيانا- بان الجهة الحكومية قد تمدد العقد لاضعاف المدة المتفق عليها رغم ان العقد ستراتيجي وقد ابرم  باكثر من سعره الحقيقي لتنفيذه خلال مدة قصيرة ، كما حصل مثلا في تنفيذ محطة كهرباء النجف الغازية التي كان يفترض تنفيذها في خمسة اشهر ، ولم تبلغ نسبة الانجاز فيها الا اقل من ( 40% ) رغم مضي مدة تصل الى سنتين على العقد ، وكذلك عقد بناء المدارس الحديدية الذي مر اكثر من سنتين ولم تبلغ نسبة الانجاز فيها الا اقل من ( 3% ) فلم تبن منه الا مدرسة واحدة من مئتي مدرسة ، وهذا النهج  امر لا يستقيم لا مع القانون ولا  مع المنطق ، وفيه انتهاك خطير وخرق جسيم لحقوق الدولة والمواطن .
ان الحل لهذه المشكلة الخطيرة ليس بالامر الصعب ، ويمكن معالجتها بالخطوات الاتية :-
1-      وضع معايير دقيقة ، واضحة ، محددة ، ومتشددة  للحالات التي يجوز تمديد العقود فيها ، او الاعفاء من الغرامات التأخيرية في حالة قيامها .
2-      اعطاء صلاحية النظر في تمديد العقود او الاعفاء من الغرامات التأخيرية الى لجان تضم ممثلين عن الجهة الحكومية المعنية، واعضاء من خارجها من المختصين ، شريطة ان يكون الاعضاء الخارجيين اكثرية اللجنة ، واعضاء مراقبين من الجهات الرقابية ليس لهم حق التصويت .
3-      ان تلزم الجهات الحكومية بالاعلان عن تمديدها للعقود خلال مدة لا تزيد على ( 15 ) يوما من تاريخ صدور الامر بالتمديد في مواقعها الالكترونية ، مع ذكر مبرراته ومدته ، لتكون تحت رقابة الشعب والاعلام والجهات الرقابية المعنية واصحاب المصالح من المواطنين والمجتمع المدني ومجلس النواب .
4-      ان تتبنى الدولة ستراتيجية التشدد في منح التمديد لتنفيذ العقود ، او الاعفاء من الغرامات التأخيرية ، وبان يكون الاصل رفض التمديد الا في حالات الضرورة القصوى .
وكل ذلك يكون بتعديل تعليمات تنفيذ العقود الحكومية فيما يتعلق بتمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية ، والتخلي عن نهج منح الصلاحيات المطلقة للوزراء في هذين الموضوعين لان منح مثل تلك الصلاحيات - بلا معايير وضوابط - باب كبير للفساد والافساد والابتزاز والتلاعب .  
                                                                                                        القاضي
                                                                                                رحيم حسن العكيلي
                                                                                              
                                                                                                 حزيران- 2011         
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق