الفساد في تمديد العقود الحكومية
تبرم مؤسسات ووزارات
الدولة عقودها مع كيانات القطاع الخاص – شركات واشخاص ومؤسسات وغيرها - لتنفيذ
مشاريعها خلال مدة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان ، فأذا عجز المقاول عن التنفيذ
في المدة المتفق عليها وجب فرض غرامات تأخيرية عليه لحين اتمامه المشروع ، فأذا بلغت
المدة التأخيرية ( 25% ) من مدة العقد ،
وجب سحب العمل منه وعده ناكلا ومطالبته
بالغرامات التأخيرية ومصادرة كفالة حسن التنفيذ ، الا ان الذي يحصل – غالبا – هو
تمديد العقود واعفاء المقاول من الغرامات التأخيرية .
وتجد – من جهة - ان معظم
عقود الدولة – حاليا – متلكأة او غير منفذة في المواعيد المتفق عليها ، ومن جهة
اخرى – تجد ان الجهات الحكومية المعنية مددت العقود واعفت المقاول من الغرامات
التأخيرية .
فما هو السر وراء
المبالغة في تمديد العقود الحكومية لمصلحة المقاولين المتلكئين ، رغم وجود عدد
كبير من مشاريع الدولة المعطلة والمتلكئة ؟
ان السر – ببساطة - هو
الفساد ، فأما ان يتقاضي صاحب القرار في الوزراة او الجهة الحكومية المعنية ، هو ،
او بعض المحيطين به رشاوى في مقابل تمديد العقود ، واما ان تكون الشركات او
المقاولين من المتنفذين ولهم سلطة التأثير على اصحاب القرار لتمديد العقد ، فبعض
الشركات قد تعود لمتنفذين سياسيين او تسندها جهات او احزاب او شخصيات سياسية
متنفذة او مليشيات تحكم بقوة السلاح ، بل ان بعضها تعود بطريق او باخر الى اصحاب
القرار انفسهم ، فأذا تخلفت عن التنفيذ في الوقت المتفق عليه مددت لها مدة العقد .
ولكن ذلك لا ينفي وجود
حالات تستند الى اسباب صحيحة وحقيقية للتمديد ، ولكنها محدودة بل نادرة .
ان اثار خطيرة تترتب على
ظاهرة المبالغة في تمديد العقود للمقاولين المتلكئين اهمها :-
1-
عدم الانجاز :- اذ ان
تمديد العقود يؤدي الى انعدام او ضعف الانجاز على ارض الواقع ، ما دامت معظم عقود
المشاريع ممددة . وهذا ما حصل فعليا في الاعوام القليلة الماضية لحد الان .
2-
تراخي المقاولين في تنفيذ
العقود :- وهذا هو اخطر اثار هذا النهج الخاطئ ، فأذا ايقن المقاول او الشركة بان
هناك - دائما - فرصة للترطيب مع الجهات الحكومية واستحصال قرار بتمديد مدة العقد ،
فأن ذلك مدعاة لتراخي المقاولين والشركات عن الانجاز في المواعيد المحددة ، وعدم
اكتراثهم او اهتمامهم بانجاز المشروع في الوقت المتفق عليه . في حين يتوجب التشدد
التام في موضوع تمديد العقود ، لان ذلك دافع بالغ الاهمية للشركات والمقاولين لحثهم
من اجل السعي لتنفيذ المشاريع المحالة بعهدتهم في الوقت المتفق عليه .
3-
التحايل على قواعد
التنافس :- اذ ان احد معايير المفاضلة بين مقدمي العطاءات لمناقصات العقود العامة هو
وقت التنفيذ ، فقد يحال العقد الى الشركة او المقاول لانه عرض انجاز المشروع بوقت
اقل من غيره ، فأذا مددت له مدة العقد لاحقا ، فذلك تحايل واضح على اصول وقواعد
المنافسة التامة المشروعة .
4-
الاستفادة غير المشروعة
من اموال الدولة :- فقد تمنح الجهة
الحكومية سلف مقدمة للمقاولين او الشركات ، وهي بمبالغ كبيرة تصل الى مئات
المليارات من الدنانير في بعض العقود ، وقد يكون تمديد العقد وسيلة لاستمرار
استفادة الشركة او المقاول من المتاجرة او المضاربة بهذه الاموال بلا وجه حق .
5-
فتح باب المساومة
والرشاوى :- ان الصلاحية المطلقة غير المنضبطة بقواعد ومعايير الممنوحة للجهات
الحكومية في تمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية هو باب واسع من ابواب
الفساد ، لانه يفتح الطريق لمساومة الشركات او المقاولين لاخذ رشاوى منهم في مقابل
تمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية على حساب المصلحة العامة .
6-
ضياع حقوق الدولة في
ارباح المشاريع المفترضة :- فأذا نفذ المشروع - الذي ينظر منه تحقيق ارباح معينة -
في المدة المتفق عليها ، فأنه سيدر ارباحا على الدولة ، مثل المشاريع السياحية او
الصحية وكل ما يتصور منه موارد مالية منتظمة ، اما اذا تراخي تنفيذ المشروع فأن
فرصة الدولة في الحصول على ارباحها تتراخى للمدة التي يتأخر فيها الشركة او
المقاول عن اتمامه ، مما يهدر حقوقا عامة قد تصل لمئات المليارات .
7-
تضرر المواطن :- اذ ان
معظم المشاريع انما تقدم خدمات حقيقية للمواطنين ، واتمامها في الوقت المتفق عليه يضمن
وصول الخدمات اليهم في وقت مقبول ، الا ان تمديد العقود يؤخر وصول تلك الخدمات ، ويلحق
بالمواطنين اضرار فادحة ، يضاف اليها تحملهم الاوضاع غير المستقرة التي قد تفرضها
بعض المشاريع الخدمية كالانقاض وحفر الشوارع واغلاقها ، وما يترتب عنها من اوضاع
طارئة وغير طبيعية ، وكل ذلك يشكل عبء كبير عليهم لفرضه ظروف حياتية وبيئية غير
مناسبة .
8-
ضياع حق الدولة في
الغرامات التأخيرية وكفالات حسن التنفيذ :- فتمديد العقود واعفاء الشركة او
المقاول من الغرامات التأخيرية يلحق ضرر كبير بحقوق الخزينة العامة بمبالغ كبيرة ،
تستحقها وفقا لاحكام العقد والقانون .
9-
فقدان ثقة الناس بالحكومة
:- ان عدم الانجاز او الاخفاق في تنفيذ المشاريع في مواعيدها ، يخلق هوة كبيرة من
عدم الثقة بين الناس والمؤسسات الحكومية .
ان تمديد مدد العقود الحكومية كان واحدا من اهم اسباب
عدم ظهور انجازات مادية واضحة للخدمات الحكومية خلال الفترة التي تلت عام 2003 رغم
المبالغ الكبيرة التي انفقت ، فهناك اعداد كبيرة من المشاريع متأخرة عن مواعيد
انجازها بمدد كبيرة ، تصل احيانا الى ثلاث سنوات ، بل تجد – احيانا- بان الجهة
الحكومية قد تمدد العقد لاضعاف المدة المتفق عليها رغم ان العقد ستراتيجي وقد ابرم
باكثر من سعره الحقيقي لتنفيذه خلال مدة
قصيرة ، كما حصل مثلا في تنفيذ محطة كهرباء النجف الغازية التي كان يفترض تنفيذها
في خمسة اشهر ، ولم تبلغ نسبة الانجاز فيها الا اقل من ( 40% ) رغم مضي مدة تصل
الى سنتين على العقد ، وكذلك عقد بناء المدارس الحديدية الذي مر اكثر من سنتين ولم
تبلغ نسبة الانجاز فيها الا اقل من ( 3% ) فلم تبن منه الا مدرسة واحدة من مئتي
مدرسة ، وهذا النهج امر لا يستقيم لا مع
القانون ولا مع المنطق ، وفيه انتهاك خطير
وخرق جسيم لحقوق الدولة والمواطن .
ان الحل لهذه المشكلة الخطيرة ليس بالامر الصعب ، ويمكن
معالجتها بالخطوات الاتية :-
1-
وضع معايير دقيقة ، واضحة
، محددة ، ومتشددة للحالات التي يجوز
تمديد العقود فيها ، او الاعفاء من الغرامات التأخيرية في حالة قيامها .
2-
اعطاء صلاحية النظر في
تمديد العقود او الاعفاء من الغرامات التأخيرية الى لجان تضم ممثلين عن الجهة
الحكومية المعنية، واعضاء من خارجها من المختصين ، شريطة ان يكون الاعضاء
الخارجيين اكثرية اللجنة ، واعضاء مراقبين من الجهات الرقابية ليس لهم حق التصويت
.
3-
ان تلزم الجهات الحكومية
بالاعلان عن تمديدها للعقود خلال مدة لا تزيد على ( 15 ) يوما من تاريخ صدور الامر
بالتمديد في مواقعها الالكترونية ، مع ذكر مبرراته ومدته ، لتكون تحت رقابة الشعب
والاعلام والجهات الرقابية المعنية واصحاب المصالح من المواطنين والمجتمع المدني
ومجلس النواب .
4-
ان تتبنى الدولة
ستراتيجية التشدد في منح التمديد لتنفيذ العقود ، او الاعفاء من الغرامات
التأخيرية ، وبان يكون الاصل رفض التمديد الا في حالات الضرورة القصوى .
وكل ذلك يكون بتعديل تعليمات تنفيذ العقود الحكومية فيما
يتعلق بتمديد العقود والاعفاء من الغرامات التأخيرية ، والتخلي عن نهج منح
الصلاحيات المطلقة للوزراء في هذين الموضوعين لان منح مثل تلك الصلاحيات - بلا
معايير وضوابط - باب كبير للفساد والافساد والابتزاز والتلاعب .
القاضي
رحيم حسن
العكيلي
حزيران- 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق