التمييز ضد المرأة
في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل
نقسم هذا المبحث الى المطالب الاتية :-
المطلب الاول :- حق الزوج في تأديب الزوجة.
المطلب الثاني :- الباعث الشريف في الجرائم غسلا للعار .
المطلب الثالث :-التمييز في جرائم زنا الزوجية .
المطلب الرابع :- التحريض على الزنا .
المطلب الخامس :-زواج المغتصب للمجنى عليها .
المطلب السادس :- الجريمة ضد الزوجة او المحرم المتلبسة
بالزنا .
المطلب الاول
حق الزوج في تأديب الزوجة
اعطى قانون العقوبات العراقي النافذ للزوجة الحق في
ارتكاب الجريمة على زوجته كالضرب باعتباره تأديبا ، وعده كاحد اسباب استعمال الحق
الذي يعتبر سببا من اسباب الاباحة ، والذي يؤدي الى تحويل الجريمة الى فعل مباح
،اذ نصت المادة ( 41 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 تحت عنوان ( استعمال
الحق ) الواردة في الفصل الرابع المعنون ( اسباب الاباحة ) بانه :- ( لا جريمة اذا
وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ، ويعتبر استعمالا للحق :- 1- تأديب
الزوج زوجته وتأديب الاباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو
مقرر شرعا او قانونا او عرفا .2- ... ) .
ويعني ذلك بان للزوج تأديب زوجته بالوسائل التي يراها
مناسبة حتى وان وصل الامر الى ارتكاب فعل مجرم عليها ما دام ذلك في حدود م هو مقرر
شرعا او قانونا او عرفا .
ويعد ذلك واحدا من صور التمييز والعنف ضد المرأة لانه
يؤسس لضرب المرأة والاعتداء عليها واهانة كرامتها ، ويجعلها في موقف ضعيف داخل
اسرتها ومجتمعها . وهو خرق صريح لمبدأ المساواة بين الجنسين لانه يعطي للرجل حقا
في الاعتداء على المرأة بحجة التأديب .
وتشكل ممارسات الاعتداء على الزوجات بضربهن وسبهن واهانة
كرامتهن الشكل الابرز من مظاهر العنف الاسري ، الذي يترك اثار خطيرة داخل الاسرة
والمجتمع ، وله اثار سلبية عقيمة في نفوس الاطفال الذين يشاهدون الاعتداء على
امهاتهم او شقيقاتهم ، اذ يعد ذلك عاملا من عوامل انتشار العنف وترسخه في
المجتمعات لان من يشاهد ممارسات العنف التي تمارس داخل اسرة سيكون مدفوعا نفسيا
بممارستها لاحقا حينما يكبر داخل اسرته وخارجها .
ويذهب البعض الى ان الحق في تأديب الزوج زوجته المنصوص
عليه في قانون العقوبات العراقي يستند الى قوله تعالى في الاية ( 34 ) من سورة
النساء :- ( ... واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فأن
اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا .. ) .
الا ان النص القانوني العراقي معيب من الجهات الاتية :-
1-
انه يخل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ، وهو مخالفة
لحكم المادة ( 14 ) من الدستور لانه تمييز بسبب الجنس .
2-
ان حق التأديب بالضرب يهين انسانية المرأة ، خاصة وان في
النساء قاضية او عالمة او طبيبة او محامية او استاذة جامعية .
3-
انه يؤمن تخريج فقهي للاعتداء على المرأة وضربها باسم
التأديب .
4-
انه مدعاة للتمايز الطبقي لانه لا يمارس فعليا الا على
النساء الضعيفات او التي ينتمين الى عوائل فقيرة او غير نافذة .
5-
ان النص لم يقصر حق التأديب في حدود ما اقرته الشريعة
الاسلامية ، بل وسعه ليشمل ما يقره العرف بقوله في اخره :- (... في حدود ما هو
مقرر شرعا او قانونا او عرفا ) ، وذلك يجعل هذا الحق منتهكا لكرامة المرأة ،
واعتداء صارخ عليها لان العرف في العراق اقر للزوج ضرب زوجته واهانتها والمس
بكرامتها بسبب وبلا سبب وهذا غير مقبول لا شرعا ولا عقلا ، ويتعارض مع المعايير
الدولية .
المطلب الثاني
الباعث الشريف في الجرائم غسل للعار
نصت المادة ( 128 ) من قانون العقوبات :- ( 1- ... يعتبر
عذرا مخففا ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة او بناءا على استفزاز خطير من المجنى عليه
بغير حق ) .
وقد استقر القضاء العراقي بضمنه االقضاء في اقليم
كوردستان وقضاء العديد من الدول العربية على اعتبار ( القتل او الشروع به غسلا
للعار ) جريمة بباعث شريف ، متى ما وقع من احد اقارب المجنى عليه او عليها ، ويقصد
بغسل العار قتل ( من اتهم بممارسة الزنا او اللواط ذكرا كان ام انثى ) او قتل ( من
انتشر عنه سوء السلوك او الشذوذ الاخلاقي او الجنسي ) من قبل ذويه كالاب او الجد
او الام او الاخ او الاخت او الابن او البنت او حتى العم او ابن العم .
ويعد هذا الاجتهاد القضائي واحدا من ابرز صور العنف
والتمييز ضد المرأة لانه يشجع على قتلها او الاعتداء عليها بحجة الشرف ، كما انه
استعمل لقتل النساء لاسباب اخرى لا علاقة لها بالشرف والادعاء بان الامر متعلق
بالشرف .
الا ان للباعث الشريف مفهوم واسع لا يقتصر على غسل العار
، مما يتطلب معالجة الامر باصدار قانون يمنع اعتبار غسل العار باعثا شريفا على
ارتكاب الجريمة ايا كان نوعها .
المطلب الثالث
التمييز في جرائم زنا الزوجية
نصت المادة ( 377 ) من قانون العقوبات :- ( 1- تعاقب
بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من
جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العالم بها .2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا
زنا في منزل الزوجية ) .
فلم يساو هذا النص بين الرجل والمرأة في الامور الاتية
:-
1-
انه جرم زنا الزوجة اينما زنت ، في منزل الزوجية او
خارجه ، ولم يجعل زنا الرجل ( الزوج ) جريمة الا اذا وقع في منزل الزوجية فقط .
2- انه نص على
تجريم شريك الزوجة الذي زنا بها في جريمة زنا الزوجة، الا انه لم يجرم شريكة الرجل
الزاني .
وفي نفس السياق تضمنت المادتان ( 378 ) و ( 379 ) من
قانون العقوبات التي تعالج نفس الجريمة صورا اخرى للتمييز بين الرجل والمرأة امام
القانون في المواضع التالية :-
1-
ابقى في عجز الفقرة ( 2) من المادة ( 378 ) الحق للرجل
في تحريك شكوى الزنا ضد المرأة حتى بعد اربعة اشهر من طلاقها ، اي للرجل تحريك
الشكوى عليها اذا زنت خلال العدة الشرعية للطلاق بغض النظر عن كون الطلاق بائنا او
رجعيا ، ولا حق للمرأة في تحريك الشكوى ضد الرجل اذا ما زنا في نفس الفترة .
2- اعطى الحق
للرجل بمنع السير في تنفيذ الحكم على زوجته الزانية في الفقرة ( 2 ) مــن المادة (
379 ) ، ولم تعط الزوجة مثل ذلك الحق .
ولم تجوز المادة ( 378 / 1-ج ) قبول الشكوى :- ( اذا ثبت
ان الزنا تم برضا ( الزوج ) الشاكي ) .
الحل المقترح :- تعديل النصوص بما يؤمن المساواة بين
الرجل والمرأة امام القانون في جريمة زنا الزوجية ، ويضعهما على صعيد واحد في
مواجهة هذه الجريمة .
المطلب الرابع
التحريض على الزنا
نصت المادة ( 380 ) من قانون العقوبات :- ( كل زوج حرض
زوجته على الزنا فزنت بناء على هذا التحريض يعاقب بالحبس )
وعليها الملاحظات الاتية :-
1-
انه لم يجرم تحريض الزوج زوجته على الزنا الا اذا زنت
بناء على هذا التحريض ، اي يظل فعل تحريض الزوج زوجته على الزنا فعلا مباحا الا
اذا استجابت الزوجة فزنت ، وهذا لا يوفر اي حماية للمرأة التي يضغط عليها زوجها
للقيام بفعل الزنا ( لاي سبب كالفقر او الاستهداف السياسي او الشخصي ) قبل ان تزني
، وهو امر غير مقبول .
2-
ان العقوبة التي فرضها النص على هذه الجريمة الخطيرة (
وهي عقوبة الحبس ) خفيفة جدا في حدها الادني ، لان الحبس يتراوح بين ( 24 ) ساعة
وخمس سنوات فقط .
3- ان المشرع
العراقي لم يجرم تحريض الرجال نساء اسرهم - من غير الزوجة - على الزنا كالام
والبنت والاخت ، خاصة وان للرجال سطوة وسلطة عرفية قوية على اقاربهم من النساء في
المجتمع العراقي .
فلابد ان يؤمن تجريم تحريض الزوج زوجته وتحريض الرجل
اخته او امه او بنته على الزنا سواء وقع الزنا ام لم يقع ، وتشديد العقوبة في حدها
الاني بأن تكون الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات . واضافة غرامة مالية كبيرة لان
اسباب التحريض على الزنا غالبا ما تكون اسبابا اقتصادية .
المطلب الخامس
زواج المغتصب للمجنى عليها
نصت المادة ( 398 ) من قانون العقوبات :- ( اذا عقد زواج
صحيح بين مرتكب احدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجنى عليها اوقف تحريك
الدعوى والتحقيق فيها والاجراءات الاخرى واذا صدر حكم في الدعوى اوقف تنفيذ الحكم
. وتستأنف اجراءات الدعوى او التنفيذ – حسب الاحوال – اذا انتهى عقد الزواج بطلاق
صادر من الزوج بغير سبب مشروع او بطلاق حكمت به المحكمة لاسباب متعلقة بخطأ الزوج
او سوء تصرفه ، وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على وقف الاجراءات ، ويكون للادعاء
العام وللمتهم وللمجنى عليها ولكل ذي مصلحة طلب وقف تحريك الدعوى والتحقيق
والاجراءات وتنفيذ الحكم او طلب استئناف سيرها او تنفيذ الحكم – حسب الاحوال . )
ويقصد بـ ( الجرائم الواردة في هذا الفصل ) هي جرائم 1-
الاغتصاب 2- اللواط 3- هتك العرض الواردة في الفصل الاول من الباب التاسع / الكتاب
الثاني من قانون العقوبات المعنون ( الجرائم المخلة بالاخلاق والاداب العامة ) في
المواد من ( 393 - 398 ) .
وورد نفس هذا الحكم بنفس العبارات في المادة ( 427 ) من
قانون العقوبات بشأن جرائم القبض على الاشخاص وخطفهم وحجزهم في المواد 421 – 427
في الفصل الاول من الباب الثاني / الكتاب الثالث من قانون العقوبات .
وويذهب البعض بان هناك محاسن للاخذ بهذا النص هي :-
1-
انه يشكل مخرجا اضطراريا للانثى التي اعتدي عليها
بالاغتصاب او اللواط او الاختطاف .
2- انه يتوافق مع
اعراف المجتمع .
الا ان للنص عيوبا غاية في الخطورة هي :-
1-
انه شكل من اشكال الافلات من العقاب .
2-
انه يؤثر سلبا في تحقيق الردع العام في الجرائم التي
يشملها ، لانه يشجع على ارتكاب افعال الاغتصاب واللواط والخطف على امل الخلاص
بزواج المجنى عليها لثلاث سنوات فقط .
3-
ان الزواجات التي تقع طبقا لهذا النص هي زواجات اكراه في
حقيقيتها - على الاغلب – بالنسبة لكلا الطرفين ، اما لضغط اجتماعي او عشائري او
عرفي .
4-
انه حل يفقد النصوص العقابية قيمتها في حماية المرأة
وحفظ كرامتها والاقتصاص ممن اعتدى عليها ، خاصة وان بعض صوره تتعلق باغتصاب
القاصرات او اللواط بهن .
5-
ان الزواجات التي تقع طبقا لهذا النص لا تقوم على اسس
اجتماعية ولا عاطفية ولا انسانية صحيحة ، فهي لا تقوم على السكينة والالفة والمودة
المفترضة في زواج لحياة مشتركة .
6- كما ان تلك
الزواجات مخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية ، اذ يذهب كثير من الفقهاء الى تحريم
زواج الزاني ممن زنا بها مطلقا .
المطلب السادس
الجريمة ضد الزوجة او
المحرم المتلبسة بالزنا
خففت المادة ( 409 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة
1969 المعدل العقوبة الى مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احدى محارمه
في حالة تلبسها بالزنا او وجودها مع شريكها في فراش واحد فتلهما في الحال او قتل
احدهما او اعتدى عليهما اعتداء افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة ، اذ نصت
المادة المذكورة ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او احدى
محارمه في حالة تلبسها بالزنا او وجوده في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال
او قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداء افضى الى الموت او عاهة
مستديمة ، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق
ضد احكام الظروف المشددة ) .
ويبدو جليا بان هذا النص يشجع على القتل والاعتداءات
الشخصية خارج اطار القانون كوسيلة لحل مشاكل الافراد والاسرة ، فرغم ان الخيانة
الزوجية والزنا بكل اصنافه فعل غير مقبول اجتماعيا واخلاقيا لكنه لا يبيح ممارسة
القتل الكيفي من قبل الافراد ، ولا يصح للقوانين ان تشجع ثقافة العنف والقتل مهما
كانت الاسباب والمبررات لان لذلك اثار سلبية خطيرة على قيم المجتمع والسلم
الاجتماعي فيه .
ولا تجيز الشرائع السماوية للرجل قتل زوجته او احد
محارمه اذا شاهدها متلبسة بالزنا ، فالشريعة الاسلامية تلزمه بجلب اربعة شهود عيان
امام السلطة العامة ، وليس للزوج- وفقا لتلك الشريعة - الذي ضبط زوجته متلبسة
بالزنا الا ملاعنتها امام السلطة العامة وفقا لقواعد الملاعنة المنصوص عليها في
القرأن الكريم ([1])،
فاذا قتلها فأنه يعاقب كما يعاقب اي قاتل اخر .
[1] - الملاعنة احد الانظمة
التي تنظم العلاقة الزوجية وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية عندما يتهم الزوج زوجته
بالزنا ويعجز عن الاثبات ضدها باربع شهود عدول شاهدوها تزني شهادة عينية ، اذ عليه
الاحتكام للقاضي الذي يطلب منه ان يحلف اربع مرات انه من الصادقين في دعواه ضد
زوجته والا فأنه يتعرض لعقوبة القذف ( اي افتراء تهمة الزنا ) فاذا حلف فتكلف
الزوجة بان تحلف اربع مرات بانه كاذب فيما رماها به لكي تدفع عن نفسها تهمة الزنا
، ويستند ذلك الى قوله تعالى في سور النور الايات ( 6و7 و8 و9 و10 ) :- ( والذين
يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه
لمن الصادقين ، والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين ، ويدرأ عنها
العذاب ان تشهد اربع شهدات بالله انه لمن الكاذبين ، والخامسة ان غضب الله عليها
ان كان من الصادقين ، ولولا فضل الله ورحمته عليكم ، وان الله تواب حكيم . ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق