المحكمة الاتحادية العليا تصنع
نصوصا دستورية باسم التفسير
اصدرت المحكمة الاتحادية
العليا بالعدد 25/اتحادية/اعلام/2016 في 5/4/2016 قرار تفسيريا،اجازت فيه اقالة
وزير وتعيين بديله بتصويت موحد كصفقة واحدة،اذ تقول:(وبصدد التساؤول عن جواز قيام
مجلس النواب بالتصويت في قرار واحد يصدر عن المجلس بالموافقة على اقالة الوزير
المعني مقترنا في الوقت ذاته بالموافقة على تعيين وزير بديل له،فتجد المحكمة
الاتحادية العليا من استعراض نصوص الدستور الواردة في هذا المجال عدم وجود نص يحول
دون ذلك بل ان متطلبات حسن سير العمل في مجلس الوزراء لتنفيذ السياسة العامة
للدولة تتطلب ذلك بأن يكون قرار مجلس النواب باقالة الوزير المعني مقترنا بتعيين
الوزير البديل)انتهى الاقتباس.
ان هذا التسبيب يوحي بان
حسن سير العمل في مجلس الوزراء يتطلب ان يعين وزير لكل وزارة وعدم ترك اي وزارة
شاغرة ، الا ان الغريب في ذلك هو ان نفس المحكمة سبق ان اجازت تشكيل الحكومة مع
ابقاء عدد من الوزرات شاغرة( الوزرات الامنية)،اي سمحت بامرار حكومة ناقصة
العدد،ولم تقل بان ذلك يخل بحسن سير العمل في مجلس الوزراء!!
بأي حال ..فأن هذا الاجتهاد
يرتب اثرين خطيرين:-
1-يمكن اصدار قرار اقالة
وزير وتعيين بديله بقرار واحد يتم تمريره كصفقة واحدة معا،لانه يمر بتصويت موحد،وليس
تصوتين،احدهما لاقالة الوزير الحالي والثاني لتنصيب الوزير الجديد.وهذا يمكن تصور
سببه السياسي،فلعل الكتلة لا تريد التصويت على اقالة وزيرها الا بتنصيب مرشحها
لنفس الوزارة، وهذا لا يقف خلفه الا انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين،وقد قامت
المحكمة بترجمته قضائيا.
2-اجازة ترشيح بديل عن وزير
لم يقال لحد الان،او لم تكتمل متطلبات اقالته الاجرائية.وهذا قد يؤدي الى ان يبقى
الوزير مهددا بالاقالة لاشهر او سنوات،وما قد ينتج عن ذلك من تعطيل وتراجع في عمل
الوزارة وتمردها على الوزير.
لكن المحكمة هنا جاءت
باجتهاد من عندها لا يستند الى نص دستوري،فهي لم تفسر نصا محددا في الدستور،انما جاءت
باليات وقواعد مختلقة صنعتها هي،لم يتضمنها نص دستوري لا صريح ولا ضمني، فلا وجود
لنص دستوري يمكن اسناد هذه الاليات والقواعد اليه.
فهل للمحكمة الاتحادية
لعليا سلطة خلق النصوص والاليات الدستورية واضافتها للدستور؟ام يتوجب بالتفسير ان
يكون متصلا ومنصبا على تحديد معنى او مفهوم نص دستوري معين؟
ورغم اننا نرى عدم اختصاص
المحكمة الاتحادية الحالية في تفسير الدستور،لان قانونها رقم (30) لسنة (2005) لم
يعطها تلك السلطة،وانما هي تتقمص-حين ممارسة تفسير الدستور-دور المحكمة الاتحادية
العليا التي نص الدستور الحالي على تشكيلها بقانون يسن باغلبية الثلثين...انما لو
سلمنا جدلا بان لها سلطة بتفسير الدستور،فما هو المقصود بتفسير الدستور؟ وما هي
حدوده؟
التفسير لغة هو الابانة والكشف واظهار المعنى، فهو
يبحث في كيفية فهم النصوص ومدلولاتها،اي ان التفسير مرتبط بنص،فيكون واجب المحكمة
حين ممارسة دورها في التفسير منصبا على نص ما،فتقوم بالكشف عن معناه وتعين في فهمه
وتحديد مدلوله فقط.وبالتالي فان التفسير الدستوري يتوجب ان يتصل و ينصب على نص
دستوري ،ويقتصر على معاني ومدلولات الفاظه وفحواه،دون ان يتجاوزها،وبالتالي لا
يجوز للمحكمة بحجة تفسير الدستور ان :-
1- تجيب على اسئلة لا تنتمي الى نص دستوري معين،ولا
تتضمن تحديد لمعنى الفاظ محددة في نص دستوري ما، لان التفسير مرتبط بالنصوص ولا
يمكن ممارسته دون ان يرتبط بنص محدد.
2- الاتيان باليات او قواعد لم يرد فيها نص دستوري.
في حين ان المحكمة الاتحادية العليا في القرار
المبحوث مارست تفسيرا غير متصل بنص دستوري معين حينما اجازت بقرار واحد وبتصويت
موحد اقالة الوزير وتعيين بديله،دون ان تشير الى انها انما تفسر نص معينا في
الدستور.فاي نص فسرته المحكمة الاتحادية حينما قالت بذلك؟الجواب لا وجود لنص
دستوري يتحدث عن ذلك لا صراحة ولا ضمنا.
ان المحكمة هنا مارست- في الحقيقة - دور علويا فوق
مجلس النواب،ففرضت عليه احكام وقواعد واليات لم يأت بها الدستور،وهذا ليس من مهام
المحكمة،ولا من صلاحياتها،خصوصا وان هذا الموضوع امر تركه الدستور دون
تنظيم،وبالتالي يكون لمجلس النواب لوحده سلطة البت في الياته،اما من خلال نظامه
الداخلي،او من خلال اعراف يستقر عليها،وليس للمحكمة الاتحادية العليا ان تفرض عليه
ما لا يفرض عليه الدستور،لان ذلك تعد على مبدأ الفصل بين السلطات وتجاوز لاختصاصات
المحكمة وتدخل غير مقبول في اليات وقواعد العمل في السلطة التشريعية.
ان المحكمة الاتحادية العليا حينما تأتي باحكام من
عندها لا ينص عليها الدستور فأنها لا تمارس تفسيرا للدستور بل انها تمارس امر اخر
هو (انشاء او خلق نصوص دستورية جديدة)،وهذا يعني احلال ارادة المحكمة محل ارادة
الشعب مصدر الدستور والسلطات. وخطورته
ذلك تكمن في كونه خروج عن اختصاصها وسلطاتها،وممارستها لدور لا يمنحه اياها لا
الدستور ولا القانون،من خلال الاتيان باحكام جديدة لا يتضمنها الدستور،وهو امر لا
تملكه المحكمة الاتحادية،لان الدستور مصدره الشعب وليس المحكمة الاتحادية
العلياوهي هنا انما تمارس دورا مزاجيا وعلويا على السلطات الاخرى يجعلها تفرض ما
تريد دون نص دستوري محدد،وهو بالنتيجة هدم لمبدأ الفصل بين السلطات،وتعد على
اختصاص السلطة التشريعية لان ملئ الفجوات التي تركها الدستور في النظام القانوني
انما يكون للسلطة التشريعية من خلال القوانين التي يصدرها ممثلي الشعب ،،، وليس
للمحكمة الاتحادية العليا ان تمارس هذا الدور لانه دور اقرب للتشريع الدستوري
والقانوني منه الى دور تفسيري او قضائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق