الجبن الوظيفي في العراق
ينتقد البعض اداء هيئة
النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين لانها - بظنهم - سببت خوفا كبيرا لدى موظفي
الدولة مما جعلهم يعزفون عن العمل ويتجنبون اتخاذ القرارات مما عطل جهود الاعمار
والبناء ، ومع اتفاقنا مع النتيجة التي جاء بها هذا الرأي الا اننا نختلف معهم في
السبب ، فالموظف في القطاع العام العراقي يتخوف من اتخاذ القرارات اذا ما تضمنت
احتمال تحمله بعض المسؤولية،ولو ادى ذلك الى تعطل المشاريع ومصالح المؤسسة
والمواطنين ، لانه يفضل او يؤثر حماية نفسه ولو على حساب المصالح العليا للمواطن
او المؤسسة .
ان تخوف موظفي القطاع
العام يعود الى اربعة اسباب رئيسية :-
1-
يحرص الموظف العام على
تجنب المسؤولية وحماية نفسه ولو بالتضحية بالمصلحة العامة، هو مرض من امراض
الادارة في كل العالم ، يصيبها غالبا ، ولكن بنسب ومقادير متفاوته ، بحسب ظروف
موضوعية وتاريخية تحكم قيم الوظيفة العامة في كل بلد ،الا انه في العراق كان امرا
مستقرا كقيمة يؤمن بها بقوة موظفي القطاع العام قبل عام 2003 قبل انشاء هيئة
النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين ، وهو قيم ادارية سلبية ترسخت ونمت في القطاع
العام العراقي منذ الثمانينيات من القرن الماضي ، لاسباب كثيرة ، واستمرت بعد عام
2003 ولا زالت مترسخته لدى موظفي الدولة بسبب ضعف المواطنه وانعدام الحوافز ، وضعف
المحاسبة على الانجاز .
2-
ان كثيرا من موظفي الدولة
بعد عام 2003 هم من ذوي المستويات العلمية المتدنية والخبرة المحدودة ، وقد تصدى
بعضهم لمسؤوليات ومهام لا تتلائم مع خبرته وكفائته العلمية ، لذلك فانه كمن يسير
في عتمة كاملة ، لانه لا يمتك معرفة كاملة بالقوانين والانظمة وليس لديه خبرة
كافية تمكنه من تلمس الطريق الصحيح ، لذلك فانه معرض للوقوع في اخطاء ومخالفات
كبيرة ، قد تعرضه للمساءلة ، لذلك فانه يظل متخوفا ومتوجسا ، وهو – لذلك – يتجنب
اتخاذ القرارات لعدم معرفته بالطريق الصحيح .
3-
ان الضغوط والتدخلات
السياسية والحزبية والعشائرية والمحسوبية والوساطة والمليشات وغيرها وتأثيرها السلبي
المباشر على اعمال دوائر ومؤسسات القطاع العام كان سببا اخر لتخوف موظفي الدولة
لان مثل تلك التدخلات تحرفهم عن الطريق الصحيح ، وتشكل ضغطا كبيرا عليهم يؤثر سلبا
في سلامة ونزاهة اجراءاتهم واعمالهم ، مما يجعلهم في خوف دائم اما من الرقابة اذا
ما استجابوا للضغوط وانحرفوا عن الطريق الصحيح ، او من الاعمال الانتقامية اذا
امتنعوا عن الاستجابة لتلك الضغوط .
4- ان انعدام الثقة بالموظف العام لدى المجتمع و المواطنين و القيادات
الادارية هو سبب اخر لتخوف موظفي الدولة ، اذ ان الموظف العام متهم في ذمته ،
وتفسر قراراته واجراءاته على اساس ان له مصلحة غير مشروعة فيها غالبا ، لذلك يتجنب
اتخاذ القرارات الشجاعة او غير المتطابقة مع المألوف . وهذا يحول دون الابداع
والتطور وايجاد الحلول للمسائل المستجدة ، كما يؤدي الى تعقيد المعاملات وتأخرها
ودخولها في نفق البيرقراطية .
لا شك ان للجهات الرقابية كالقضاء وهيئة النزاهة
وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين دور ما في اخافة موظفي الدولة،الا
ان اخافة موظفي الدولة هو واجب من واجباتها ، لتحقيق الردع العام ، خصوصا بين
موظفي الدولة ، عن طريق الايقاع
ببعض مرتكبي جرائم الفساد وانتهاكات قواعد السلوك المهني السليم وفرض العقوبات
المناسبة عليهم ، لجعلهم عبرة لغيرهم ، فيتجنب الجميع التورط في مثل تلك الجرائم
او المخالفات ، وذلك اثر ايجابي محض تعترف به كل الانظمة القانونية بل وكل الاديان
السماوية ، الا ان البعض حاول محاربة الجهات الرقابية باتهامها بانها السبب وراء
تخوف موظفي الدولة ، مما ادى برأيهم - الى تعطل جهود الاعمار والبناء ، فكأنهم
يريدون القاء عبء الفشل في تقديم الخدمات على الجهات الرقابية بحجة صنعها خوفا
مبالغ به عند بعض موظفي الدولة .
وفي حدود الخوف من الرقابة
، وادعاء البعض بان بعض موظفي الدولة النزيهين عطلوا اعمالهم بسبب الخوف من
الرقابة ، فأننا نقطع بان الموظف الكفوء النزيه الخبير الذي يسير على الطريق
الصحيح لا يخاف ابدا من الرقابة سواء اكانت هيئة النزاهة او المفتش العام او ديوان
الرقابة المالية او القضاء ، لانه يعرف الطريق الصحيح ويسير عليه ويعرف تماما كيف
يحافظ على السير في اعماله وفق احكام القانون ، ولكن يخاف من الرقابة الموظف غير
الكفوء لانه لا يعرف الطريق الصحيح ولا يعرف كيف يستمر بالسير عليه ، ويخاف ايضا
الموظف غير النزيه لانه يسرق او يتورط بالجرائم والفساد ويتوقع ان تلاحقه الجهات
الرقابية ، وهؤلاء لا يكتفون بالخوف من الرقابة بل يعادونها ويعملون بقوة للخلاص
منها او تعطليها ، وذلك الادعاء بعض من معاداة الرقابة والعمل ضدها للتخلص منها .
الا الجبن الوظيفي وحرص
موظفي الدولة على حماية انفسهم وتجنيبها المسؤولية او المساءلة ولو على حساب العمل
والانجاز والمواطن قيم ادارية فاسدة وخطيرة لابد من تلمس الطريق الصحيح لمعالجتها
.
القاضي
رحيم حسن العكيلي
23 / 3 / 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق