الخميس، 22 مارس 2018


التفريق بين لجان التحقيق الاداري
 ولجان التضمين

نصت المادة ( 1 ) من قانون التضمين رقم ( 12 ) لسنة ( 2008 ) :- ( يتحمل الموظف او المكلف بخدمة عامة او الشركة العامة او الخاصة او المقاول مسؤولية التعويض عن الاضرار التي تكبدها المال العام بسبب اهماله او تقصيره او مخالفته القوانين والانظمة والتعليمات . )
وشكلت المادة ( 2 ) منه لجنة تتولى تحديد مبلغ التضمين والمسؤول عن احداثه بقولها :- ( يشكل الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لجنة تحقيقية من ثلاثة اعضاء على الاقل من ذوي الخبرة والاختصاص ويكون احد اعضائها قانونيا لتحديد مبلغ التضمين والمسؤول عن احداث الضرر المنصوص عليه في المادة ( 1 ) من هذا القانون وجسامة الخطأ المرتكب وما اذا كان عمدي او غير عمدي وعلى اللجنة الاستعانة بجهة رسمية ذات اختصاص . )
وكان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ( 14 ) لسنة ( 1991 ) المعدل قد نص على تشكيل لجنة تحقيقية اخرى في المادة ( 10 ) منه التي نصت :- ( اولا :- على الوزير او رئيس الدائرة تاليف لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة على ان يكون احدهم حاصلا على شهادة جامعية اولية في القانون . ثانيا :- تتولى اللجنة التحقيق تحريريا مع الموظف المحال عليها ولها في سبيل اداء مهمتها سماع وتدوين اقوال الموظف والشهود والاطلاع على جميع المستندات والبيانات التي ترى ضرورة الاطلاع عليها ، وتحرر محضرا تثبت فيه ما اتخذته من اجراءات وما سمعته من اقوال وتوصياتها المسببة ، اما بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق او بفرض احدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ، وترفع كل ذلك الى الجهة التي احالت الموظف عليها . ثالثا :- اذا رأت اللجنة ان فعل الموظف المحال عليها يشكل جريمة نشأت عن وظيفته او ارتكبها بصفته الرسمية فيجب ان توصي باحالته الى المحاكم المختصة . ) .
فكلا اللجنتين هي ( لجنة تحقيقية ) ، وكل منهما يتولى التحقيق مع الموظف في مخالفة او خطأ نسب اليه ، وكلاهما ثلاثية العضوية احدهم قانوني ، فهل اللجنتين يقومان بعمل واحد ، وهل ان النصين المذكورين ليسا الا تكرار لا طائل تحته ، وهل هناك تداخل بين عمل اللجنتين ووظائفهما ؟
الحقيقية ان  كل واحدة من اللجنتين موضوع البحث لها دور ووظيفية مختلفة تماما ، ويوجد بين احكامها وطرق تشكيلهما اختلاف كبير وواضح ، نعرضها فيما يأتي :-
1-  الاختلاف بين اللجنتين من حيث المهمة :- تنحصر مهمة ( لجنة التحقيق الاداري ) التي تشكل وفق احكام المادة ( 10 ) من قانون انضباط موظفي الدولة في البحث في المسؤولية الانضباطية للموظف ، اما لجنة التضمين فمهمتها متعلقة بالمسؤولية عن التعويض ( وهي اما مسؤولية تقصيرية او مسؤولية عقدية ) ، وتختلف المسؤولية الانضباطية عن المسؤولية عن التعويض في ان الاولى مآلها توجيه عقوبة ادارية ( انضباطية ) للموظف اذا ما ارتكب فعل يعد خرقا للواجبات او المحظورات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة في المواد ( 3 و4 و5 ) منه ، اما المسؤولية عن التعويض فمآلها الزام الخاضع لاحكام القانون بمبلغ من المال كتعويض للخزينة العامة عما لحق المال العام من ضرر ومناطها دائما وجود الضرر ، لذا فان لجان التضمين لا يتصور تشكيلها الا مع وجود ضرر ما لحق المال العام حصرا . اما لجنة التحقيق الاداري فلا علاقة لها مطلقا بالضرر سواء تعلق بالمال العام ام بغيره ولا شأن لها بالتعويض سواء كان للخزينة العامة او للافراد وهي لا تنظر مطلقا الى وجود الضرر او عدم وجوده نهائيا ، بل تبحث عن المخالفة ولو لم ترتب ضررا، فمهمهتها منحصرة بالتحقق من ارتكاب الموظف مخالفة قانونية من عدمه والتوصية بعقوبة مناسبة اذا ما ثبتت تلك المخالفة . بخلاف ( لجنة التضمين ) فانها لا تبحث الا عن الضرر في المال العام وتتولى التحقق من قيام المسؤولية المدنية عنه سواء كانت مسؤولية تقصيرية او عقدية وتحديد المسؤول لالزامه بالتعويض ، لذا لا يكون عملها دائما متعلق بوجود مخالفة ما فلا شأن لها بذلك اذا لم يترتب على المخالفة ضرر بالمال العام .
2-  الاختلاف بين اللجنتين فيما يوصيان به :- في ضوء ما ذكرناه من مهام اللجنتين في الفقرة ( 1 ) فان القانون حدد التوصيات التي يمكن لكل لجنة التوصية بها ، فلجنة ( التحقيق الاداري ) يمكن ان (توصي ) بواحدة من التوصيات الاتية :- أ- عدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق اذا لم يثبت لها قيام الموظف بالفعل المنسوب اليه او ان الفعل لا يعد خرقا للواجبات والمحظورات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة . ب- فرض احدى العقوبات المنصوص عليها في المادة ( 8 ) من قانون انضباط موظفي الدولة اذا ثبت للجنة ارتكاب الموظف مخالفة للاوامر والنواهي المنصوص عليها في القانون المذكور . ج- اما اذا وجدت بان فعل الموظف الجاري التحقيق الاداري فيه يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات فيتوجب باللجنة حتميا التوصية باحالته الى المحاكم المختصة ، والادق هو اشعار الجهات التحقيقية المختصة وهي اما قاضي التحقيق او المحقق او المسؤول في مركز الشرطة . اما لجنة التضمين فلا علاقة لها بكل ذلك بل تنحصر توصياتها في :- أ- تحديد مبلغ التضمين . ب- تحديد المسؤول عن احداث الضرر بالمال العام . ج- بيان جسامة الخطأ المرتكب فيما اذا كان عمديا او غير عمدي .
3-  الاختلاف بين اللجنتين في الاشخاص الخاضعين لصلاحيتهما :- ينحصر الاشخاص الخاضعين لولاية لجان التحقيق الاداري بالموظفين فقط ، والموظف هو :- ( كل شخص عهدت اليه وظيفة داخلة في ملاك الوزرارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة .) حسب تعريف المادة ( 1 / ثالثا ) من قانون انضباط موظفي الدولة ولا يتصور الموظف الا شخص طبيعي فلا يخضع بالتالي للجان التحقيق الاداري الا الاشخاص الطبيعية ، ولا يخضع لها ما عداهم مطلقا . اما لجان التضمين فيخضع لها خمسة اصناف من الاشخاص  بعضهم اشخاص طبيعية وبعضهم اشخاص معنوية وهم :- أ- الموظف وقد عرفناه انفا . ب- المكلف بخدمة عامة وهو حسبما عرفته المادة ( 19 / 2 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 :- ( كل موظف او مستخدم او كامل نيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية او شبه الرسمية والمصالح التابعة لها او الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء واعضاء المجالس النيابية والادارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين ( السنديكيين ) والمصفين والحراس القضائيين واعضاء مجالس ادارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت التي تساهم الحكومة او احدى دوائها الرسمية او شبه الرسمية في مالها بنصيب ما باية صفة كانت ، وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة باجر او بغير اجر . ) . ج- الشركة العامة وهي :- ( الوحدة الاقتصادية الممولة ذاتيا والمملوكة للدولة بالكامل التي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري وتعمل وفق اسس اقتصادية ) وفق تعريف المادة ( 1 ) من قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 . د – الشركات الخاصة وهي اما شركات اموال ( الشركة المساهمة والشركة المحدودة ) واما شركات اشخاص ( وهي الشركة التضامنية والمشروع الفردي والشركة البسيطة )  ، وينحصر لفظة الشركات في قانون التضمين بقيديه :- ( الشركات العامة والخاصة ) فينحصر بهذين الصنفين من الشركات ، ويخرج بذلك الشركات المختلطة وهو عيب تشريعي كبير .هـ - المقاول :- وهو احد الطرفين في عقد المقاولة ، والمقاولة هي :- عقد يتعهد به احد الطرفين ان يصنع شيئا او يؤدي عملا لقاء اجر يتعهد به الطرف الاخر ( المادة 864 ) من القانون المدني ، ولا يقتصر لفظ ( المقاول ) على القطاع الخاص بل يشمل كل من لحقه وصف ( المقاول ) سواء كان شخص طبيعي او معنوي وسواء اكان الشخص المعنوي قطاع عام او خاص او مختلط وسواء اكان شركة او وزارة او دائرة ممولة ذاتيا او مركزيا .
4-  الاختلاف بين اللجنتين في جهة تشكيلها :- لا تشكل لجان التضمين الا بامر من الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة حصرا ، ولا يصح لغيره تشكيلها مطلقا ، وفقا لما نصت عليه المادة ( 2 ) من قانون التضمين رقم 12 لسنة 2006 . اما لجان التحقيق الاداري فيصح تشكيلها من ثلاثة جهات هي :- أ- الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة وفقا للتعريف الوارد في المادة ( 1 / اولا ) من قانون انضباط موظفي الدولة . ب- رئيس الدائرة وهو :- وكيل الوزارة او المحافظ او المدير العام او أي موظف اخر يخوله الوزير صلاحية فرض العقوبات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة . ج- المفتش العام وفقا لما نص عليه البند ( 2 ) من القسم ( 5 ) من الامر 57 لسنة 2004 امر انشاء مكاتب المفتشين العموميين .  
5-  الاختلاف بين اللجنتين من حيث عدد اعضائها :- تشكل لجان التحقيق الاداري من ثلاثة موظفين وفقا لما نصت عليه المادة ( 10 / اولا ) من قانون انضباط موظفي الدولة ، اما لجان التضمين فليس في تشكيلها عدد محدد وشرطها الوحيد من حيث العدد هو ان لا يقل عدد اعضائها عن ثلاثة حتما ، وما عدا ذلك فلا قيد على العدد فيصح – كاصل عام - تشكيلها من اربعة او اربعة اعضاء او  خمسة او ستة ... الخ ، ولا قيد في وجوب ان يكون العدد وترا ، فلا يوجد ما يمنع ان يكون العدد زوجيا ، لكن الاصل العام واحتمالات انقسام اعضاء اللجنة الى قسمين متساويين في الموقف من الموضوع محل التحقيق يدعو الى افضلية جعل عدد اللجنة دائما فرديا . وقد اخطأت تعليمات وزارة المالية رقم ( 3 ) لسنة 2007 في المادة ( 3 ) منها حينما نصت :- ( يشكل الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لجنة تحقيقية من ثلاثة اعضاء ... ) لان القانون نص على تشكيل ( لجنة تحقيقية من ثلاثة اعضاء على الاقل ) والعبرة بما نص عليه القانون ولا قيمة لما اخطأت  به التعليمات  .
6-  الاختلاف بين اللجنتين من حيث صفة اعضائها :- لم يشترط قانون التضمين صفة معينة في اعضاء اللجنة التحقيقية التي اوجب تشكيلها سوى ان يكون احدهم ( موظفا قانونيا ) ، ولم يشترط قانون انضباط موظفي الدولة في اعضاء اللجنة التحقيقية سوى ان يكون احدهم ( حاصلا على شهادة جامعية اولية في القانون ) ، فلجان التضمين لم تشترط سوى ان يكون احد اعضائها موظف قانوني فلا يشترط فيه ان يكون حاملا شهادة جامعية اولية في القانون فيكفي ان يكون من حملة شهادة معهد الادارة العدلية ، اما لجان التحقيق الاداري فيتوجب ان يكون احد اعضاء اللجنة من حملة شهادة البكالوريوس في القانون ولا يكفي ان يكون من حملة شهادة المعهد ولو كان محققا في الاصل كخريج معهد الادارة العدلية ، اما باقي اعضاء اللجنتين فلم يشترط القانونان اية صفة محددة فيهما مطلقا ، ويترك ذلك لصاحب القرار في تشكيل اللجنة وفق ما يراه مناسبا وفي ضوء المهمة المكلفة بها .
7-   اختلاف اللجنتين من حيث الزامية توصياتهما :- تكون توصيات لجنة التضمين ملزمة للوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة وفق ما توحي به المادة ( 3 ) من قانون التضمين التي نصت :- ( يصدر الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة قراره بناء على توصيات اللجنة المشكلة بموجب المادة ( 2 ) من هذا القانون ) ، وما نصت عليه المادة ( 4 / ثانيا ) من التعليمات رقم ( 3 ) لسنة 2007 :- ( ترفع اللجنة توصياتها الى الوزير المختص او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة لاصدار قرار التضمين بناء على هذه التوصية . ) ، اما توصيات لجنة التحقيق الاداري فهي غير ملزمة لمن شكلها فقد يأخذ بالتوصيات او يتركها ويقرر ما يراه مناسبا في ضوء التحقيق الذي اجرته اللجنة ، الا ان تلك السلطة التقديرية تقف عن حدود المسؤولية الانضباطية فقط ولا يتعداه الى احكام المسؤولية الجزائية فلا يحق للوزير او رئيس الدائرة رفض احالة الموظف الى المحاكم المختصة اذا ما شكل فعله جريمة مهما كانت الاسباب ، والا عد ذلك ( الامتناع ) جريمة ، هي جريمة ( الامتناع عن الاخبار ) المعاقب عليها بموجب المادة ( 247 ) من قانون العقوبات ([1] ).

محاور واسئلة متصلة للبحث :- 
هل يصح تضمين الموظف ومعاقبته انضباطيا واحالته للمحكمة معا وما هو الحل اذا ما افرجت عنه المحكمة ؟
هل يجوز تضمين القطاع العام؟
هل يجوز تضمين موظف غير تابع للوزير او التضمين عن مال غير تابع لوزارته؟
هل يضاعف مبلغ التعويض على القطاع العام اذا كان الخطأ عمديا؟
كيف يستوفى المبلغ من المضمن اذا كان غير تابع للوزارة؟
واذا كان من القطاع العام فهل يجوز حجز امواله؟



           
 


[1] - نصت المادة ( 247 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 :- ( يعاقب بالحبس او الغرامة كل من كان ملزما قانونا باخبار احد المكلفين بخدمة عامة عن امر ما او اخباره عن امور معلومة له فامتنع قصدا عن الاخبار بالكيفية المطلوبة وفي الوقت الواجب قانونا ، وكل مكلف بخدمة عامة منوط به البحث عن الجرائم اوضبطها اهمل الاخبار عن جريمة اتصلت بعلمه وذلك كله ما لم يكن رفع الدعوى معلقا على شكوى او كان الجاني زوجا للمكلف بالخدمة العامة او من اصوله او فروعه او اخوته او اخواته او من في منزله من هؤلاء الاقارب بحكم المصاهرة . ) ونصت المادة ( 48 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 :- ( كل مكلف بخدمة عامة علم اثناء تأدية عمله او بسبب تأديته بوقوع جريمة او اشتبه في وقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى وكل من قدم مساعدة بحكم مهنته في حالة يشتبه معها بوقوع جريمة وكل شخص كان حاضرا ارتكاب جناية عليهم ان يخبروا فورا احدا ممن ذكروا في المادة ( 47 ) .)  وهم قاضي التحقيق او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق