الخميس، 2 أبريل 2020


((محكمة التمييز الاتحادية:-المطالبة القضائية لا تورث،وعدم المطالبة يعد تبرعا))

التعليق على قرار:-
المبدأ :-
((المطالبة القضائية باجر مثل العقار المغصوب لا تورث،وترد دعوى الورثة به ، لان سكوت مورثهم يعتبر تبرعا)).

مضمون القرار التمييزي:-
قضت الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية الموقرة (بالاكثرية)بالعدد 324 / الهيئة الموسعة المدنية /2019 في 23 / 12 / 2019 :-
(..وترى اكثرية هذه الهيئة بان دعوى المدعين اضافة لتركة مورثتهم بالمطالبة باجر المثل لا ترتكز على اساس قانوني سليم لان اجر المثل هو في فحواه تعويض احتمالي غير محدد ناتج عن فوات منفعة الاعيان ومن اهم اسبابه فعل الغصب ومن صوره التجاوز على عقار الغير ، ولان حق المطالبة قضاءا باجر المثل وان كان حقا ماليا الا ان الجانب الشخصي بممارسة هذا الحق من قبل شخص مالك العقار او عدم ممارسة هذا الحق(اي المطالبة)هو المعول عليه بوجوده وقيامه ابتداء من عدمه،وعلى هذا الاساس فأن اختيار المالك عدم المطالبة او عدم اقامته اجر مثل عقاره المغصوب اثناء حياته، يترتب على ذلك عدم دخول التعويض الاحتمالي غير المحدد (وهو اجر مثل العين المغصوبة )في تركة المالك بعد وفاته لاحقا ، والذي احجم عن المطالبة باجر المثل اثناء حياته، وذلك لعدم جواز توريث الحق الاحتمالي غير المحدد للورثة ،لانه يرتبط ارتباطا مصيريا بشخص المالك وخياره بعدم المطالبة والخيار الشخصي لا يورث للورثة لان سكوت المالك (المورث)يعتبر قرينة غير قابلة للعكس وقاطعة اذ يستنبط منه اباحة او تبرع المتوفى بالمطالبة باجر المثل لان القرينة القضائية هي اثبات امر مجهول من امر معلوم ولان اجر المثل باعتباره تعويضا احتماليا يدخل العنصر الزمني وهو الماضي منه من جهة والمطالبة به باعتباره حقا شخصيا من قبل المالك اثناء حياته من جهة اخرى في تكوين وبناء هذا الحق – ولان الراجح الوقوع في عدم مطالبة المتوفى اثناء حياته لاجر مثل ملكه المغصوب يعتبر تبرعا منه ولان مورثة المدعين اثناء حياتها لم تطالب باجر مثل عقارها الذي تم وضع اليد عليه من قبل المدعى عليه اضافة لوظيفته وبهذا ارتضت بعدم المطالبة باجر المثل للفترة المطالب بها من قبل ورثتها المدعين فتكون مطالبتهم باجر المثل اضافة الى تركة مورثتهم لا سند له من القانون وتكون دعواهم واجبة الرد ....وصدر القرار بالاتفاق من حيث النقض وبالاكثرية من حيث التسبيب...).
مبادئ فرعية:-
1-اجر المثل تعويض احتمالي غير محدد.
2-اختيار المالك عدم المطالبة باجر مثل عقاره المغصوب اثناء حياته يترتب على ذلك عدم دخول التعويض الاحتمالي غير المحدد (وهو اجر مثل العين المغصوبة)في تركة المالك بعد وفاته لاحقا.
3-لا يجوز توريث الحق الاحتمالي غير المحدد،لانه يرتبط ارتباطا مصيريا بشخص المالك وخياره بعدم المطالبة،، والخيار الشخصي لا يورث.
4-سكوت المالك (المورث)وعدم مطالبته باجر مثل عقاره المغصوب يعتبر قرينة غير قابلة للعكس،يستنبط منها اباحة او تبرع،لانه ارتضى بعدم المطالبة.
الاثار المتصور ترتبها على هذا الاجتهاد التمييزي:-
1-لا حق للورثة باجر مثل عقارات مورثهم المغصوبة للفترة قبل وفاته ما لم يطالب هو بها قبل وفاته.
2-ان(المطالبة القضائية)خيار شخصي،لا يورث،لغلبة الجانب الشخصي فيه على الجانب المالي.
3-وبما خيار(المطالبة القضائية)لا يورث،فان جميع ديون المتوفى لا يمكن المطالب بها ما دام المورث لم يطالب بها حال حياته.
4-يستنبط(التبرع)من السكوت عن المطالبة بالحق الثابت.
ان هذه النتائج الخطيرة التي يرتبها منطوق التسبيب في هذا القرار التمييزي المحترم لا تستقيم حتما مع القواعد القانونية السليمة،، وسنناقش مدى سلامتها في هذا التعليق.
اجتهادات تمييزية مقاربة واخرى مخالفة:-
ذهبت محكمة التمييز لاقليم كوردستان - العراق الى اجتهاد موافق للاجتهاد الذي جاءت به محكمة التمييز الاتحادية في القرار التمييزي اعلاه ، بقرارها المرقم 233 / الهيئة المدنية /2004 في 9 / 10 / 2004 :- ( ..حيث ان المورث سكت عن المطالبة باجر المثل عن وقوع التجاوز حال حياته  ، فلا تنتقل المطالبة الى ورثته بعد وفاته ، عن الفترة المذكورة  ، وان مطالبة المدعين ينبغي ان تكون محصورة لما بعد وفاة مورثهم ) .
وكذلك بقرارها المرقم 453 / الهيئة المدنية الاولى/2011 في 5 / 7 / 2011 :- (...ان القضاء العراقي مستقر على انه لا يحق للورثة المطالبة باجر مثل المساحة التي انتقلت اليهم ، عن الفترة التي كان مورثهم فيها على قيد الحياة  ،لان عدم مطالبة المورث باجر المثل حال حياته يعد تنازلا من قبله عنه).
الا انها( اي محكمة التمييز لاقليم كوردستان ) ذهبت الى خلاف هذا القرار بقرارها المرقم 79 /الهيئة المدنية الاولى/2010 في 15 / 2 / 2010 :- (...ان اجر المثل من الحقوق التي ، وينتقل الى الورثة بوفاة المورث  ،الذي لم يطالب به في حياته ، وان عدم المطالبة به لا يعتبر تنازلا ما لم يثبت.)([1]).

مناقشة القرار التمييزي:-
اولا:-اجر المثل(تعويض احتمالي) او (حق احتمالي):-
وصف قرار محكمة التمييز الاتحادية اجر المثل الذي يطالب به الورثة عن الفترة السابقة لوفاة مورثهم بانه ( تعويض احتمالي ) ،، فهل لهذا الوصف اساس فقهي او قانوني ؟؟
لم اجد من يستعمل مصطلح (التعويض احتمالي) سوى ما جاء في القرار التمييزي الموقر،انما قد يقصد القرار التمييزي بالتعويض الاحتمالي هنا هو (لتعويض عن الضرر الاحتمالي ) ،،،او لعله يقصد ( الحق الاحتمالي)لانه استعمل هذا المصطلح  الاخير ايضا في القرار التمييزي نفسه .
اما (الضرر الاحتمالي) هو الضرر الذي يبنى على أساس تكهنات وافتراضات غير حتمية الحدوث،اي قد تقع أو لا تقع،لذا يعد الضرر الاحتمالي مما لا تنطبق عليه الشروط المحددة في القانون لان الضر اذى اصاب المضرور او انه اذى لابد ان يصيبه بشكل قاطع ومؤكد،لذا اتفقت مختلف التشريعات القانونية على عدم النص على قبول طلب تعويض عن (الضرر الاحتمالي) المبني على توقعات وتكهنات مستقبلية متغيرةومن أمثلة الضرر الاحتمالي رفع دعوى على شركة الكهرباء لوضعها عمود كهرباء بالقرب من داره يطلب التعويض بحجة أن العمود قد يؤدي غالبا الى حدوث تماس كهربائي مستقبلا بالتالي نشوب حريق ثم تضرره.
فهل يعد الضرر المتحقق بسبب غصب عقار ضرر احتمالي؟؟
لا شك بان الضرر المتحقق عن غصب عقار لمدة معينة هو ضرر واقع حتما ومؤكد، ولم يسبق لاي راي فقهي او اجتهاد قضائي ان قال بان اجر المثل هو تعويض عن ضرر احتمالي،بل لا يمكن عده(ضرر متغيرا) لان الضرر المتغير هو الذي يكون عرضة للزيادة او النقصان خلال الفترة المحصورة بين وقوعه وصدور الحكم بالتعويض عنه، بينما يكون التعويض باجر المثل عن ضرر قاطع ومؤكد.
كما ان القول بان اجر المثل هو تعويض عن(ضرر احتمالي) يجعل الحكم به مستحيلا سواء اكانت المطالبة قبل الوفاة او بعدها،اي اذا كان اجر المثل تعويضا عن (ضرر احتمالي) فلا يمكن المطالبة مطلقا لعدم جواز الحكم بالتعويض عن الضرر الاحتمالي باي حال من الاحوال، وتلك نتيجة لا يمكن القبول بها باي حال من الاحوال.
لذا نستبعد امكانية القبول بان محكمة التمييز الموقرة تعني(بالتعويض الاحتمالي) بانه( التعويض عن ضرر احتمالي)
فهل يمكن ان تكون المحكمة الموقرة تقصد (بالتعويض الاحتمالي)هو(الحق الاحتمالي)؟؟
فالحق الإحتمالي - هو حق يفتقر الى عنصر من عناصره الجوهرية،ومثاله حق الوارث او الموصى له  قبل ان يموت المورث او الموصي، فهو حق ينقصه موت المورث او الموصي، وهو عنصر من عناصر الحق الكامل،أي ان حق المورث او الموصى له لايكون كاملاً مادام المورث او الموصي على قيد الحياة، كما لا يكون إذا مات الوارث اوالموصى له قبل المورث او الموصي.
وبالتالي فأن اجر المثل لعقار المورث المغصوب يكون (حقا احتماليا) قبل وفاة المورث،،لكنه يصبح حقا ناجزا حالما يتوفى الوارث ، لان العنصر الجوهري الناقص في ذلك الحق انما يكتمل بوفاة المورث، وبالتالي لا يكون اجر المثل عن عقار المتوفى المغصوب حقا احتماليا بعد وفاته، بل هو حق ناجز.لذلك فان المحكمة قد ترد الدعوى اذا ما اقام الوارث الظاهر الدعوى للمطالبة باجر مثل عقار مورثه قبل وفاته، لانه انما يطالب بحق احتمالي ، لكنه ان اقام دعواه به بعد وفاة مورثه فهو انما يطالب بحق ناجز ولا يمكن للمحكمة ان ترد دعواه لهذا السبب لان حقه باجر المثل كان قبل الوفاة حقا احتماليا ،، واضحى حقا ناجزا بالوفاة.
لذا فان قول المحكمة الموقرة بان اجر مثل عقار مورث المدعين(حق احتمالي)هو الاقرب للصحة لانها انما تقصد به حق الورثة باجر المثل قبل وفاة المورث وهو فعلا حق احتمالي قبل الوفاة.
ثانيا:-توريث(اجر المثل)باعتباره(حق احتمالي):-
لكن النتيجة التي رتبتها المحكمة الموقرة على هذا الوصف( اي توصيف اجر المثل كحق احتمالي) لا تتفق مع الوصف نفسه،فهي من جهة عدت اجر مثل العقار المغصوب(حق احتمالي) قبل الوفاة ، لكنها عادت و رفضت توريثه ، رغم ان المعروف بان الحق الاحتمالي ينقصه ليكون حقا ناجزا (الوفاة) فقط ،،بينما محكمة التمييز اعتبرته حق احتمالي يحتاج للوفاة ليكون حقا ناجزا ،لكنها عادت وقالت بانه حق لا يورث، وهذا لا يتفق مع وصفه بالحق الاحتمالي ابتداءا.
انما للحقيقة والدقة فان محكمة التمييز الموقرة في القرار التمييزي المبحوث فيه لم تقل بان اجر مثل عقار المورث المغصوب لا يورث، بل قالت بانه لا يمكن المطالبة به لعدم مطالبة المورث به،لان(خيار المطالبة به) لا يورث، على اعتبار بان الغالب فيه( اي الغالب في خيار المطالبة) هو الجانب الشخصي وليس المالي.
ان محكمة التمييز في قراراها المبحوث فيه اعتمدت معيارا للقول بتوريث او عدم توريث(حق المطالبة) بقولها:- (... حق المطالبة قضاءا باجر المثل،وان كان حقا ماليا،الا ان الجانب الشخصي بممارسة هذا الحق من قبل شخص مالك العقار او عدم ممارسة هذا الحق(اي المطالبة)هو المعول عليه بوجوده وقيامه ابتداء من عدمه..)
فهي تقول بتوريث او عدم توريث الشئ استنادا الى كونه(حق مالي) فيورث،،او(حق شخصي او يغلب عليه الجانب الشخصي) فلا يورث،،،وانتهت – استعمالا لهذا المعيار – الى عدم توريث المطالبة باجر المثل (لان الجانب الشخصي بممارسة هذا الحق .. هو المعول عليه بوجوده وقيامه ابتداءا من عدمه).
فمن اين جاءت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة بهذا المعيار ؟
ان القانون العراقي رغم انه عالج(الارث واحكامه )في القانون المدني وفي قانون الاحوال الشخصية الا انه لم يتعرض لموضوع (ما يورث وما لا يورث )مما يتركه المتوفى ،، وازاء ذلك لابد لنا ان نرجع الى احكام الشريعة الاسلامية واراء الفقهاء ا لمسلمين فيما يورث وفيما لا يورث مما يتركه المتوفى استنادا للمادة (1 / 2 ) من القانون المدني العراقي ([2]).
ثالثا:-ما يورث وما لايورث حسب اراء الفقهاء المسلمين:-
كان فقهاء الحنفية من أكثر الفقهاء تضييقًا لباب وراثة الحقوق؛لأنَّ الأصل عندهم أن تورث(الأموال) دون (الحقوق)،إلا ما قام دليل على إلحاقه بالأموال.
اما فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فانهم من أكثر الفقهاء اتِّساعًا لباب وراثة الحقوق؛فالأصل عندهم أنَّ تورث الحقوق والمنافع والديون اضافة للاموال؛استنادا لقول الرسول الكريم(ص):- «من ترك مالاً أو حقاً فلورثته...».
فذهب جمهور الفقهاء(الشافعية والمالكية والحنابلة) إلى القول بأن جميع الأموال والحقوق التي لها صلة بالمال ولا تتعلق بشخص الوارث فإنها تنتقل إلى الورثة وهي تعتبر من التركة.
واتفق الجميع على ان(الحقوق الشّخصيّة المحضة)وهي الحقوق الّتي تثبت للإنسان باعتبار شخصه وذاته وما يتوفّر فيه من صفاتٍ ومعان تميِّزه عن غيره،والتي تتعلق بمحض الإرادة والاختيار ، ولا تكون تابعة لعين مملوكة،مثل حقّ الحضانة ،وحقّ الولاية على النّفس والمال ،والوكالة الممنوحة للمورث ، وحقّ المظاهر في العود([3])،وحقّ الفيء بعد الإيلاء([4])،، وحق المطالبة بحد القذف ،والحق بالوظيفة العامة،فإنّها تسقط بموت أصحابها ولا تورث عنهم ،فلا يصح للوارث ان يطالب بانتقال حضانة اطفال المتوفى اليه باعتباره ارثا مثلا،او يطالب بانتقال وكالة المتوفى اليه لان عقد الوكالة تمنح للوكيل( المتوفى)باعتبار شخصه فلا ينتقل للورثة رغم انه عقد كباقي العقود.
الا ان الخلاف ثار بشأن الحقوق الشبيهة بالحق المالي او بالحق الشخصي،فمَن غلب فيها الناحية المالية قيل إنها تورث، ومَن غلب فيها الناحية الشخصية قيل إنها لا تورث. وهذا هو المعيار الذي استند اليه القرار التمييزي في القول بعدم توريث المطالبة باجر المثل باعتباره غلبة الجانب الشخصي فيه على الجانب المالي.
وتطبيقا لهذا المعيار اتفق الفقهاء على وراثة (الحقوق المقصود بها التوثق):- كحبس المرهون لوفاء الدين، وحبس المبيع لاستيفاء الثمن، وحق الكفالة بالدين لأنها من الحقوق اللازمة المؤكدة.واتفقوا أيضاً على وراثة حقوق الارتفاق كحق الشِّرب والمرور؛ لأنها حقوق تابعة للعقار ولازمة له.وكذلك اتفقوا على إرث خيار التعيين والعيب؛ لأن البيع في خيار التعيين لازم، والحق محصور في اختيار أحد الأشياء. والبيع تم في خيار العيب على أساس سلامة المبيع من العيب، فيثبت ذلك الحق للورثة دفعاً للضرر والغبن.
واتفقوا ايضا على غلبة الجانب المالي في حق الشفعة،وحق المالك في اجازة تصرف الفضولي،وحق المنفعة وحق الموصى له في قبول الوصية او ردها،وحق الموهوب له في قبض الهبة،لان الناحية المالية متغلبة على الناحية الشخصية فيها.
وقالوا بتوريث حقِّ القصاص، وإنْ كان ليس بمالٍ؛ لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على مورثه والجناية عليه،خلافا للمعيار الذي وضعوه،اي غلبوا الحق بالارث حين الشك لمصلحة الورثة رغم ان القصاص لا يمكن تغليب الجانب المالي فيه باي حال من الاحوال.
وقالوا بعدم توريث حق الموهوب له في قبول الهبة،وحق الواهب في الرجوع في الهبة؛لأن الناحية الشخصية متغلبة في هذه الحقوق على الناحية المالية، لان الهبة غالبا تقوم على مبررات شخصية محضة لذا يغلب فيها الجانب الشخصي.
اما الامامية الاثناعشرية( الجعفرية) فذهبوا الى ان يتعلق الإرث بكل ما يصدق عليه أنّه تركة الميت عرفاً،من الأموال والحقوق، أما الأموال فيتعلق بجميع ما يملك الميت منها من الأعيان، والمنافع،كالأموال وسكنى الدار، وأما الحقوق فقد اتفق الفقهاء على أنّها تورث إذا أحرز أنها تركة الميت، كحقّ الخيار والقصاص.
في ضوء ما تقدم فان اي من الفقهاء المسلمين ولا الباحثين في الادبيات القانونية الحديثة في هذا الموضوع لم تناقش توريث او عدم توريث(المطالبة القضائية)لانها حق تابع للمال او الحق الذي هو ما يجب ان نبحث بتوريثه او عدم توريثه،فاذا ورثنا اصل الحق او المال ، فيكون لزاما القول بتوريث( المطالبة به).
وبما ان اجر مثل عقار المورث المغصوب هو(دين بذمة الغاصب)فان كل الفقهاء المسلمين بدون استثناء يقولون بتوريثه ، وتوريث حق المطالبة به تبعا له بلا خلاف ولا منازعة.
رابعا:-مناقشة سلامة القول بعدم توريث حق المطالبة باجر المثل:-
ان القول بعدم توريث المطالبة باجر المثل غير مقبول وفقا للمعطيات الاتية:-
اولا:-ان محكمة التمييز الاتحادية الموقرة ذهبت في قرارها المبحوث فيه الى ان(خيار المطالبة باجر المثل هو الذي لا يورث)..اي انها تركت البحث في (توريث اجر المثل )ذاته،وذهبت للاحتجاج والبحث بـ (امكانية توريث المطالبة به)،،
انما هل(المطالبة)شئ او حق او مال ، يمكننا القول بانه يورث او لا يورث؟؟
اليست المطالبة واقامة الدعوى هي وسيلة قضائية لحماية الحقوق او الاموال التي تورث ، وليست هي الحقوق او الاموال ذاتها، وبالتالي فهي ليست مما يمكن عده ارثا، بل هي حق تابع لما يمكن توريثه ، وليست ارثا؟؟
فحق اقامة الدعوى او المطالبة ليست مما يورث ، انما هي وسيلة وضعها القانون لحماية الحقوق والاموال بضمنها الحقوق والاموال التي يتركها المتوفون لورثتهم.
لذا نعتقد بان النظر  - في الحالة التي نحن امامها – يكون الى توريث او عدم توريث(اجر المثل) وليس الى توريث او عدم توريث(الحق بالمطالبة به)؟
ثانيا:-ومع ذلك اذا اردنا ان نساير محكمة التمييز الاتحادية الموقرة في اجتهادها حول البحث في توريث او عدم توريث(خيار المطالبة باجر المثل ) ونحدد طبيعة هذا الحق من اجل تحديد امكانية توريثه من عدمه، عن طريق تحديد غلبة الجانب المالي ام الجانب الشخصي فيه؟؟
ان غلبة(الجانب المالي)في(المطالبة باجر المثل)مقطوع فيه بشكل حاسم وغير قابل للتأويل،لانه مطالبة بدين عادي سيحدد بالنقود حتما،ولان المدين به(الغاصب)لا تربطه اي صلة شخصية بالمتوفى(دائرة من دوائر الدولة في الدعوى محل القرار التمييزي المبحوث فيه)،وليس اي من الطرفين(لا الدائن ولا المدين) ينظر اليهما بصفاته وخياراته بشانه فلا تأثير للصفات الشخصية فيه باي حال من الاحوال ،، ولا يمكن مقارنته بحق الحضانة مثلا الذي ينظر فيه الى صفات الحاضن وصفاته الشخصية والذي يغلب فيه بوضوح الجانب الشخصي المحض،بخلاف حق المطالبة باجر المثل .
اضافة الى ان القرار التمييزي نفسه اقر بان المطالبة باجر المثل حق مالي حينما قال:- (حق المطالبة قضاءا باجر المثل وان كان حقا ماليا الا ان الجانب الشخصي بممارسة هذا الحق من قبل شخص مالك العقار او عدم ممارسة هذا الحق(اي المطالبة)هو المعول عليه بوجوده وقيامه ابتداء من عدمه)
فهي نفسها تقول(حق المطالبة قضاء باجر المثل وان كان حقا ماليا)( والحق المالي يورث)فكيف اذن يصبح(حقا شخصيا)لا يورث ،، فلا يوجد في تسيب محكمة التمييز الموقرة ولا في اعمال الفكر القانوني السليم اي معيار او منطق قانوني يحول هذا الحق المالي) الى حق شخصي لا يورث.
ثالثا:-وبما ان اجر المثل هو تعويض عن فعل تقصيري(الغصب)،فان ما ينطبق عليه ينبغي ان ينطبق على اي شكل من اشكال التعويض عن مسؤولية تقصيرية( الفعل الضار) ،اي ينبغي القول-وفقا للاجتهاد التمييزي- بعدم توريث حق المطالبة باي تعويض لا يطالب به المورث،وبالتالي اذا هدم احدهم عقار المورث او صدم سيارته او اتلف اثاثه، او سرق نقوده،او حرر له صك بلا رصيد ، ولم يقم الدعوى للمطالبة بالتعويض قبل وفاته، فلا ينتقل حق المطالبة به للورثة، بغض النظر عن سبب عدم المطالبة من قبل الوارث التي قد تكون مبررات مقبولة.
رابعا:- اذا كان المعيار في توريث الديون(كاجر المثل)هو مطالبة المورث بها او عدم مطالبته،وان عدم مطالبتها بها حين حياته يحول دون توريث الحق في المطالبة بها لورثته ،، فأن تلك القاعدة اذا طبقت على جميع الديون فانها تمنع الورثة من المطالبة باي ديون للتركة ما دام المتوفى لم يطالب بها.
وهذا الرأي يخالف حتى رأى الحنفية -وهم الفقهاء المسلمون الذين تشددوا في اخراج بعض الحقوق من التركة-لانهم ذهبوا الى ان الديون ما دامت في الذمة فليست مالاً ، لأنها أوصاف شاغلة لها، ولا يتصور قبضها حقيقة، وإنما يقبض ما يعادلها، لكنها  رجعوا وقالوا بانها ( اي الديون )تورث لأنها مال حكمي؛أي شيء اعتباري يملكه الدائن، وهو موجود في ثروة المدين، فالدين مال من حيث المآل،لذلك فأن اجر المثل دين يورث باتفاق جميع المذاهب الاسلامية بضمنهم الحنفية.
اي ان الحنفية خالفوا قواعدهم- واتفقوا مع المذاهب الاسلامية الاخرى- فاعتبروا الديون باشكالها تورث ،وبالتالي يورث معها الوسائل القانونية التي تحميها (كحق المطالبة بها).
خامسا:-هل يعد سكوت المورث عن المطالبة بالحق تبرعا به:-
ذهبت محكمة التمييز الاتحادية في القرار المبحوث فيه الى :- ( ...ان الراجح الوقوع في عدم مطالبة المتوفى اثناء حياته لاجر مثل ملكه المغصوب يعتبر تبرعا منه..)
فهي(ترجح) بان المتوفى(تبرع)باجر مثل عقاره ما دام لم يطالب بها حال حياته ، فهل يمكن القبول بمجرد(الترجيح) بدل(التدليل) كاساس لعد شخص متبرع بحق من حقوقه  ؟وهل يمكن استقاء او استنباط (التبرع) من (سكوت) او من مجرد(عدم المطالبة)بالحق؟
ان المعروف بداهة بان (التبرع)او (التنازل) عن حق الحقوق ، هي اسقاطات ، لا يمكن استنتاجها ، او الاخذ بها ، الا من عبارات قاطعة وصريحة ، او من موقف فعلي لا شك في دلالته على التبرع ونية التبرع القاطعة .
ان التصرفات القانونية او العقود او الاتفاقيات التي تتضمن التبرع او التنازل او اسقاط الحقوق  تكون (نیة التبرع) من خصائصها التي تنفرد بها عن غيرها من العقود والتصرفات، لانها لا توجد في سواها ، فلابد من فحص (نیة المتصرف بالتبرع )وأنه ناو بتصرفه التبرع فعلا، بخلاف سائر التصرفات الأخرى ، فلا استكشاف فیها عن النیات ، فمن یعاوض لا یفحص عن نیته إذا أراد المعاوضة فعلا أو لا.
لذلك لا يمكن ان تعد عدم المطالبة او السكوت تبرعا ،بدليل ان السكوت لم يعتبره القانون الا في حالة واحدة هو ما نصت عليه المادة ( مادة 81 ) من القانون المدني العراقي بقولها:- (1-لا ينسب الى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة الى البيان يعتبر قولاً.
2 – ويعتبر السكوت قبولاً بوجه خاص اذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل او اذا تمخض الايجاب لمنفعة من وجه اليه، وكذلك يكون سكوت المشتري بعد ان يتسلم البضائع التي اشتراها قبولاً لما ورد في قائمة الثمن من شروط. )
ولاشك ولا جدال في ان المتوفى قبل وفاته لم يكن فيما يتعلق باجر مثل عقاره (في معرض الحاجة الى بيان)،فلم يوجه اليه لا سؤال عن ذلك ولا ايجاب عنه ،، كما ان السكوت يمكن ان يعد بيانا في عقود المعاوضة التي لا تتطلب التشدد في اثبات النية الخاصة(نية التبرع)، اما في تصرفات التبرع بالاردة المنفردة (كالتبرع المنسوب للمتوفى بسبب سكوته عن المطالبة باجر مثل عقاره)فلا يمكن ان يستنتج او يستقى منه اي موقف قانوني ،ومن باب اولى لا يمكن استنتاج او استقاء التبرع او التنازل منه.
ام عن(عدم المطالبة) التي اعتبرها القرار التمييزي ( تبرعا )، فأن القانون نظمها باحكام خاصة تحت اسم (مرور الزمان المانع من سماع الدعوى) او ما يعرف (بالتقادم )،الذي يقوم على ان مرور مدة طويلة من الزمن ، يبرر منح فرصة للمدين للدفع بعدم جواز مطالبته به اذا شاء التمسك بذلك ،، اي ان نظام ( التقادم ) لم يقل بسقوط الحق المطالب به ولم يقل بأن عدم المطالبة به ( تبرع او تنازل عن الحق )، لكنه حوله الى حق مدني خال من عنصر الالزام فقط ، اي يمكن الحكم به ويمكن الوفاء به رضاءا ، لكن القانون اعطى للمدين فرصة لرفض الوفاء به او دفع الدعوى المقامة عليه بمرور الزمان المانع من سماع الدعوى لاسباب مختلفة (ليس من بينها القول بوجود تبرع الدائن بالدين) مثل الارهاق في الزام الناس بالاحتفاظ بوثائق او ادلة وفاء الديون مدة طويلة ، واحتمالات وفاء الدين لمضي مدة طويلة على الدين.
لذلك فأن (عدم المطالبة) لا يمكن ان يستنتج او يستقى منه تبرع الدائن بحقه ،لان القانون رتب لها احكام خاصة يتوجب الاحتكام اليها ،وفقا لنصوص وقواعد (مرور الزمان المانع من سماع الدعوى ) .
والدليل القاطع على خطل استنتاج التبرع من مجرد (عدم المطالبة ) نص المادة(432 ) من القانون المدني :- (اذا ترك السلف الدعوى مدة، وتركها الخلف مدة اخرى ، وبلغ مجموع المدتين الحد المقرر لعدم سماع الدعوى ، فلا تسمع. )
فهذا موقف المشرع من ترك المورث دعواه لحين وفاته، فلم يقل بانها (تبرع ولا تنازل) ، بل عدها مدة تمر خلالها الوقت اللازم لمنع سماع الدعوى ، وتستمر اذا استمر الخلف(الوارث) بتركها بعد وفاة مورثه،ولا يمكن ان تمنع سماع الدعوى الا اذا اكتملت المدة التي نص عليها القانون.
وقد استقر قضاء محكمة التمييز الاتحادية على ان التقادم( مدة مرور الزمان المانع من سماع الدعوى) في دعوى اجر المثل هو التقادم الطويل (15 سنة) وهي مدة طويلة جدا ،لا يصلح مرور بعضها كدليل على التبرع باي حال من الاحوال.
كما ان اسقاط او التنازل عن الحقوق او التبرع بها لا يمكن ان الا بالاستناد الى اتفاق او بنص القانون، تقول محكمة التمييز الاتحادية بقرارها 709/ مدنية ثانية / 1973 في 19 / 3 / 1973 :- (...اذ سبق ان حكم على المميز بالحكم المذكور بمبلغ قدره ( 15827.137 )ديناريؤديها لشركة التأمين دون ان يحكم لها بالفائدة القانونية عن المبلغ المذكور لعدم مطالبتها به في خلال الدعوى ولما كانت عدم المطالبة بالفائدة القانونية لا تسقط  حق شركة التأمين في المطالبة بها بدعوى مستقلة لان الحق القانوني لا يسقط الا باتفاق او بنص في القانون ...)([5]).
يضاف الى ما تقدم فأن القول بعد (عدم المطالبة )تبرعا يواجه فروض عملية لا يصمد امامها منها:-
1-اذا كان عدم(مطالبة المورث) بـ (اجر المثل) حال حياته يعد تبرعا،فلماذا لا يعد كذلك في كل انواع الديون الاخرى؟
2-اذا كان (عدم مطالبة المورث) حال حياته باجر مثل عقاره تبرعا،فما هو الموقف اذا كان المورث قاصرا لا يملك لا هو ولا نائبه كالوصي او القيم حق التبرع بحقوقه ؟؟ كـ(الصغير) او ( المجنون ) او المعتوه او السفيه أو او اذا كان مفقود او غائب؟ او ممنوع من التصرف بامواله(محكوم بالاعدام او بالسجن) ولم يعين قيما عليه؟
3-عد القرار التمييزي عدم المطالبة تبرعا بشكل مطلق، وبالتالي يكون - وفقا للقرار التمييزي – عدم المطالبة تبرعا ولو كانت مدة عدم المطالبة مدة قصيرة، فماذا لو كانت المدة بين الغصب والوفاة مدة قصيرة جدا كأن تكون ايام،فهل تعد(عدم المطالبة باجر مثلها ) تبرعا ايضا ؟ ام يكون استنتاج التبرع منها امر غير مستساغ ، وبالتالي تنهدم قاعدة ( عد (عدم المطالبة) تبرعا.
اخيرا يمكننا تصور ظروف منعت المتوفى من المطالبة باجر المثل  فهل من العدل والانصاف عده متبرعا وفقا لها :-
1-ان يكون من المتوفى من المهاجرين الى خارج العراق ويصعب عليه المطالبة باجر المثل.
2-ان يكون فقيرا لا يمكنه تحمل نفقات الدعوى واجور المحامين والخبراء للمطالبة باجر المثل،وهو يتأخر فيها لحين توفر المال عنده.
3-ان يكون اشغال العقار من غاصبه مقبولا عنده مقابل اجر المثل،لكنه يريد تاخير المطالبة به لجمع عدد من السنوات لتخفيف النفقات القضائية.
4-لعله كان يستعد لاقامة الدعوى وتوكيل محامي وفجأته الوفاة.
5-ان يكون المالك غنيا ومستغنيا عن الاسراع في المطالبة باجر المثل،وغير مكترث في المطالبة بها بسرعة،لانه يمكنه التراخي، اي انه غير مهتم بالاسراع في المطالبة لكنه يريد حقه في اجر المثل لاحقا. او ان يريد المتوفى ان يترك المطالبة بها لابناءه بعد وفاته، لاي سبب  كان ،مثل ان  يكون الغاصب صديقه ولا يريد التورط في الاحراج معه بسبب طبيعة علاقته معه.
ان تصور مثل تلك المبررات والظروف وغيرها كثير ،، يجعل من الاجتهاد في القرار التمييزي المتعلق بعد (عدم المطالبة) تبرعا ،، مجحفا ،، ولو وفقا للمنطق العادي .





[1] -القرارات التمييزية الثلاث نقلا عن القاضي كيلاني سيد احمد -كامل المبادئ القانونية في قضاء محكمة تمييز اقليم كوردستان – العراق للسنوات 1993 – 2011 -ج1-مقررات الهيئات المدنية والموسعة والعامة – قسم القانون المدني .
[2] - نصت المادة(1/2) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 :-(2-فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الاسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة.)
[3] -المظاهر من اقسم على زوجته بانها عليه كظهر امه.
[4] - الإيلاء هو حلف الزوج بألا يطأ زوجته مطلقا أو خلال مدة تفوق أربعة أشهر،ومعنى(الفئ)هو العودة بالرجوع الى مناكحة زوجته.
[5] - النشرة القضائية – العدد الاول -السنة الخامسة -تصدرها وزارة العدل جمهورية العراق -المكتب الفني بمحكمة تمييز العراق-ص228-229.